٢٩) وفي آية أخرى : (وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها) (النازعات : ٣٠) ولا تنافي بينهما ؛ فالأول دالّ على أنّ الأرض وما فيها خلقت قبل السماء ، وذلك صحيح ، ثم دحيت [الأرض] (١) بعد خلق السماء ، وبذلك تتفق معاني الآيات في سورة القمر والمؤمن والنازعات.
وكقوله تعالى : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ) (ق : ٣٨) وقوله : (قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْداداً ذلِكَ رَبُّ الْعالَمِينَ* وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ مِنْ فَوْقِها) [وبارك فيها] (٢) (وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَواءً لِلسَّائِلِينَ) (فصلت : ٩ و ١٠) إلى قوله : (فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ) (فصلت : ١٢) وذلك يبلغ ثمانية أيام ، والجواب أن المراد بقوله : (قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ) إلى قوله : (وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ) مع اليومين المتقدمين ، ولم يرد بذكر «الأربعة» غير ما تقدم ذكره ؛ وهذا كما يقول الفصيح : «سرت من البصرة إلى بغداد في عشرة أيام» ، «وسرت إلى الكوفة في ثلاثة عشر يوما» ولا يريد سوى العشرة ، بل يريد مع العشرة ثلاثة ، ثم قال تعالى : (فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ) وأراد سوى الأربعة ، وذلك لا مخالفة فيه ؛ لأن المجموع يكون ستة.
ومنه قوله تعالى في السجدة : (عَذابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ) (الآية : ٢٠) بلفظ «الذي» على وصف العذاب ، وفي سبأ (عَذابَ النَّارِ الَّتِي) (الآية : ٤٢) بلفظ «التي» على وصف النار ، وفيه أربعة أوجه : (أحدها) أنه وصف العذاب في السجدة لوقوع «النار» موقع الضمير الذي لا يوصف ، وإنما وقعت موقع الضمير لتقدم إضمارها ، مع قوله : (وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْواهُمُ النَّارُ كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها أُعِيدُوا فِيها) (السجدة : ٢٠) فحق (٣) الكلام : «وقيل لهم ذوقوا عذابها» ، فلما وضعها موضع المضمر الذي لا يقبل الوصف عدل إلى وصف العذاب ، وأما ما في «سبأ» فوصفها لعدم المانع من وصفها.
(والثاني) [٨٥ / أ] أن الذي في «السجدة» وصف النار أيضا ، وذكّر حملا على معنى الجحيم والحريق. (والثالث) أنّ الذي في «السجدة» في حق من يقرّ بالنار ويجحد العذاب ، وفي
__________________
(١) ليست في المخطوطة.
(٢) ليست في المخطوطة.
(٣) في المخطوطة (فحق عليهم الكلام).