«سبإ» في حقّ من يجحد أصل النار. (والرابع) أنه إنما وصف العذاب في السجدة لأنّه لما تقدم ذكر النار مضمرا ومظهرا عدل إلى وصف العذاب ، ليكون تلوينا للخطاب ، فيكون أنشط للسامع بمنزلة العدول من الغيبة إلى الخطاب.
ومنه قوله تعالى : (تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا) (الأنعام : ٦١) وقوله : (تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ) (النحل : ٢٨) وبين قوله : (قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ) (السجدة : ١١) وبين قوله : (اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ) (الزمر : ٤٢) (وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ) (الأنعام : ٦٠) وجمع البغويّ (١) بينها ، لأن (٢) توفّي الملائكة بالقبض والنزع ، وتوفّي ملك الموت بالدعاء والأمر ، يدعو الأرواح فتجيبه ، ثم يأمر أعوانه بقبضها ، وتوفّي الله سبحانه خلق الموت فيه.
ومنه قوله تعالى في البقرة : (فَاتَّقُوا النَّارَ) (الآية : ٢٤) وفي سورة التحريم : (ناراً) (الآية : ٦) بالتنكير ، لأنها نزلت بمكة قبل آية البقرة ، فلم تكن النار التي وقودها الناس والحجارة معروفة فنكّرها ، ثم نزلت آية البقرة بالمدينة مشارا بها إلى ما عرفوه أولا.
وقال في سورة البقرة : (رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً) (الآية : ١٢٦) وفي سورة إبراهيم : (رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً) (إبراهيم : ٣٥) لأنه في الدعوة الأولى كان مكانا ، فطلب منه أن يجعله بلدا آمنا ، وفي الدعوة الثانية كان بلدا غير آمن فعرّفه وطلب له الأمن ؛ أو كان بلدا آمنا وطلب ثبات الأمن ودوامه ، وكون سورة البقرة مدنية وسورة إبراهيم مكّية لا ينافي هذا ؛ لأن الواقع من إبراهيم كونه على الترتيب المذكور ، والإخبار عنه في القرآن على غير ذلك الترتيب. أو لأن المكّيّ منه ما نزل قبل الهجرة فيكون المدنيّ متأخرا عنها ، ومنه ما نزل بعد فتح مكة فيكون متأخرا عن المدني ، فلم قلتم : إن سورة إبراهيم من المكيّ الذي نزل قبل الهجرة!
فصل
وممّا استشكلوه قوله تعالى : (وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى وَيَسْتَغْفِرُوا
__________________
(١) انظر تفسير الآيات عند البغوي في معالم التنزيل ٢ / ١٠٢ ـ ١٠٣ (طبعة دار المعرفة) في تفسير سورة الأنعام ، وفي ٣ / ٦٧ تفسير سورة النحل ، وفي ٣ / ٤٩٩ تفسير سورة السجدة ، وفي ٤ / ٨٠ ـ ٨١ تفسير سورة الزمر.
(٢) في المخطوطة (بأن توفي).