رَبَّهُمْ إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ قُبُلاً) (الكهف : ٥٥) فإنه يدلّ على حصر المانع من الإيمان في أحد هذين الشيئين ، وقد قال تعالى في الآية الأخرى : (وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى إِلاَّ أَنْ قالُوا أَبَعَثَ اللهُ بَشَراً رَسُولاً) (الإسراء : ٩٤) فهذا حصر في ثالث غيرهما.
وأجاب ابن عبد السلام بأن معنى الآية : «وما منع الناس أن يؤمنوا إلا إرادة أن تأتيهم سنّة من الخسف وغيره ، (أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ قُبُلاً) في الآخرة ، فأخبر [أنه أراد] (١) أن يصيبهم أحد الأمرين. ولا شكّ أن إرادة الله [تعالى] مانعة من وقوع ما ينافي المراد ، فهذا حصر في السبب الحقيقي ؛ لأنّ الله هو المانع في الحقيقة. ومعنى الآية الثانية : (وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا [إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى]) (٢) إلا استغراب بعثه بشرا رسولا ، لأن قولهم ليس مانعا من الإيمان ؛ لأنه لا يصلح لذلك ؛ وهو يدلّ على الاستغراب بالالتزام ، وهو المناسب للمانعية ، واستغرابهم ليس مانعا حقيقيا بل عاديا ، لجواز خلوّ الإيمان معه ؛ بخلاف إرادة الله [تعالى] ، فهذا حصر في المانع العادي ، والأولى حصر في المانع الحقيقي ، فلا تنافي» (٣). انتهى.
وقوله : «ليس مانعا من الإيمان» فيه نظر ، لأن إنكارهم بعثه بشرا رسولا كفر مانع من الإيمان ، وفيه تعظيم الأمر النبي صلىاللهعليهوسلم وإنّ إنكارهم بعثته مانع من الإيمان.
فصل
وقد يقع التعارض بين الآية والحديث ، ولا بأس بذكر شيء للتنبيه لأمثاله ؛ فمنه قوله تعالى : (وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) (المائدة : ٦٧) وقد صحّ أنه شجّ يوم أحد (٤).
__________________
(١) ليست في المخطوطة.
(٢) ليست في المخطوطة.
(٣) انظر قول العز بن عبد السلام في كتابه فوائد في مشكل القرآن ص ١٧٤ ـ ١٧٥ الآية ٥٥ من سورة الكهف.
(٤) في حديث متفق عليه من رواية أنس بن مالك رضياللهعنه ، أخرجه البخاري تعليقا بصيغة الجزم في الصحيح ٧ / ٣٦٥ كتاب المغازي (٦٤) ، باب (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ...) (٢١) ، عقب ترجمة الباب ، وأخرجه مسلم في الصحيح ٣ / ١٤١٧ كتاب الجهاد (٣٢) ، باب غزوة أحد (٣٧) ، الحديث (١٠٤ / ١٧٩٢).