نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) (الحجر : ٩) وقوله : (وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى) (النّجم : ٣).
ومنه ضرب في الحلال والحرام ، ومن ثم اختلف الأئمة في كثير من الأحكام بحسب فهمهم لدلالة القرآن.
ومنه شيء يتقارب فيه بين اللّمتين : لمّة الملك ولمّة الشيطان لعنه الله ، ومحكم ذلك قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ ...) (النحل : ٩٠) الآية ، ولهذا قال عقبه : (يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (النحل : ٩٠) أي عند ما يلقى العدو الذي لا يأمر بالخير بل بالشرّ والإلباس.
ومنه الآيات التي اختلف المفسرون [٨٦ / ب] فيها على أقوال كثيرة تحتملها الآية ، ولا يقطع على واحد من الأقوال ، وأنّ مراد الله منها غير معلوم لنا مفصّلا بحيث يقطع به.
الثاني : أنّ هذه الآية من المتشابه ـ أعني قوله : (وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ) الآية (آل عمران : ٧) من حيث تردّد الوقف فيها بين أن يكون على (إِلاَّ اللهُ) وبين أن يكون على (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ) (آل عمران : ٧) ، وتردّد الواو في (وَالرَّاسِخُونَ) بين الاستئناف والعطف ، ومن ثم ثار الخلاف في ذلك.
فمنهم من رجّح أنها للاستئناف ، وأن الوقف على (إِلاَّ اللهُ) وأنّ الله تعبّد من كتابه بما لا يعلمون ـ وهو المتشابه ـ كما تعبّدهم من دينه بما لا يعقلون ـ وهو التعبدات ـ ولأن قوله : (يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ) متردّد بين كونه حالا فضلة ، وخبرا عمدة. والثاني أولى.
ومنهم من رجّح أنها للعطف ؛ لأنّ الله تعالى لم يكلّف الخلق بما لا يعلمون ؛ وضعّف الأول ، لأن الله لم ينزل شيئا من القرآن (١) إلا لينتفع به عباده ؛ ويدلّ به على معنى أراده ، فلو كان المتشابه لا يعلمه غير [الله] (٢) للزمنا ، ولا يسوغ لأحد أن يقول : إن رسول الله صلىاللهعليهوسلم لم يعلم المتشابه ؛ فإذا جاز أن يعرفه الرسول مع قوله : (وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللهُ) (آل عمران : ٧) جاز أن يعرفه الربانيون من صحابته ، والمفسّرون من أمته. ألا ترى أن ابن
__________________
(١) في عبارة المخطوطة زيادة وهي : (إلا لمنافع الخلق).
(٢) لفظ الجلالة ليس في المخطوطة.