لغة العرب ، وفي الحديث : «عجب ربكم من إلّكم (١) وقنوطكم» وقوله : إن الله يعجب من الشاب إذا لم يكن له صبوة» (٢).
قال البغويّ : وسمعت أبا القاسم النيسابوري (٣) قال : سمعت أبا عبد الله البغداديّ يقول : سئل الجنيد (٤) عن هذه الآية فقال : إن الله لا يعجب من شيء ، ولكن الله [تعالى] وافق رسوله صلىاللهعليهوسلم فقال : (وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ) (الرعد : ٥) أي هو كما يقوله.
(فائدة) كلّ ما جاء في القرآن العظيم من نحو قوله تعالى : (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) أو (تَتَّقُونَ) أو (تَشْكُرُونَ) فالمعتزلة يفسّرونه بالإرادة ، لأن عندهم أنه تعالى لا يريد إلا الخير ووقوع الشر على خلاف إرادته ، وأهل السّنة يفسّرونه بالطلب لما في الترجّي من معنى الطلب ، والطلب غير الإرادة على ما تقرر في الأصول ، فكأنه قال : كونوا متقين ، أو مفلحين ؛ إذ يستحيل وقوع [شيء] (٥) في الوجود على خلاف إرادته تعالى ، بل كلّ الكائنات مخلوقة له تعالى ووقوعها بإرادته ، تعالى [الله] (٥) عمّا يقولون علوا كبيرا.
__________________
(١) تصحفت في المطبوعة إلى (زللكم) وفي المخطوطة (ذلك) والتصويب من غريب الحديث للهروي ٢ / ٢٦٩ وتفسير البغوي ٤ / ٢٤ في الآية (١٢) من سورة الصافات. قال : الهروي في حديث النبي صلىاللهعليهوسلم «عجب ربكم من إلّكم ـ بكسر الألف ـ وقنوطكم وسرعة إجابته إيّاكم» ورواه بعض المحدثين «من أزلكم» وأصل الأزل : الشدة ، قال : وأراه المحفوظ ، فكأنه أراد : من شدة يأسكم وقنوطكم ، فإن كان المحفوظ قوله «من إلكم» ـ بكسر الألف ـ فإني أحسبها من «ألّكم» بالفتح وهو أشبه بالمصادر ... ، وهو أن يرفع صوته بالدعاء ويجأر فيه) ، وذكره ابن منظور في «لسان العرب» ١١ / ٢٤ مادة «ألل» وقال (قال أبو عبيد : المحدثون رووه «من إلّكم» بكسر الألف ، والمحفوظ عندنا «من ألّكم» بالفتح وهو أشبه بالمصادر) ، وانظر «الفائق» للزمخشري ١ / ٥٢ باب الهمزة مع اللام.
(٢) الحديث أخرجه أحمد في المسند ٤ / ١٥١ من رواية عقبة بن عامر رضياللهعنه ، وأخرجه أبو يعلى في المسند ٣ / ٢٨٨ الحديث (١٦ / ١٧٤٩) ، والطبراني في المعجم الكبير ، عزاه له السيوطي ، انظر فيض القدير ٢ / ٢٦٣ ، الحديث (١٧٩٩) ، والديلمي في فردوس الأخبار ٣ / ٦٥ الحديث (٣٩٠٢).
(٣) أبو القاسم النيسابوري هو القشيري عبد الكريم بن هوازن بن عبد الملك ـ شيخ البغوي ـ تقدم التعريف به في ١ / ٣٦٠ ، وأبو عبد الله البغدادي هو الحاكم النيسابوري محمد بن عبد الله بن حمدويه صاحب كتاب «المستدرك على الصحيحين» المشهور بابن البيع وهو شيخ أبي القاسم القشيري.
(٤) هو الجنيد بن محمد بن الجنيد ، أبو القاسم البغدادي ، شيخ علماء الحقيقة والشريعة وسيّد الطائفة ، وشيخ طريقة التصوّف ، وعلم الأولياء في زمانه. تفقه على أبي ثور ، وكان يفتي وله من العمر عشرون سنة. وسمع الحديث من الحسن بن عرفة وغيره واختص بصحبة السري السقطي ، والحارث بن أسد المحاسبي. كان الكتبة يحضرونه لألفاظه ، والفلاسفة لدقة معانيه ، والمتكلمون لعلمه ت ٢٩٨ ه (السبكي ، طبقات الشافعية ٢ / ٢٨).
(٥) ليست في المخطوطة.