إعجاز متعلق بنفسه. (والثاني) : بصرف الناس عن معارضته. ولا خلاف بين العقلاء أن كتاب الله معجز ، واختلفوا في إعجازه ، فقيل : إن التحدي وقع بالكلام القديم الذي هو صفة الذات ، وإنّ العرب كلّفت في ذلك ما لا تطيق ، وفيه وقع عجزها. والجمهور على أنه إنما وقع بالدّال على القديم وهو الألفاظ.
فإذا ثبت ذلك فاعلم أنه لا يصحّ التحدي بشيء مع جهل المخاطب الجهة التي وقع بها التحدي ، ولا يتجه قول القائل لمثله : إن صنعت خاتما كنت قادرا على أن تصنع مثله ؛ إلا بعد أن يمكّنه من الجهة التي تدّعي عجز المخاطب عنها.
فنقول : الإعجاز في القرآن العظيم إما أن يعني بالنسبة إلى ذاته ، أو إلى عوارضه من الحركات والتأليف ، أو إلى مدلوله أو إلى المجموع ، أو إلى أمر خارج عن ذلك ؛ لا جائز أن يكون الإعجاز حصل من جهة ذوات الكلم (١) المفردة فقط ؛ لأن العرب قاطبة كانوا يأتون بها ؛ ولا جائز أن يكون الإعجاز وقع بالنسبة إلى العوارض من الحركات والتألف فقط ؛ لأنه يحوج إلى ما تعاطاه مسيلمة من الحماقة : «إنّا أعطيناك الجواهر* فصل لربّك وهاجر* إن شانئك هو الكافر».
ولو كان الإعجاز راجعا إلى (٢) الإعراب والتأليف المجرد لم يعجز صغيرهم عن تأليف ألفاظ معربة فضلا عن كبيرهم ، لا جائز أن يقع بالنسبة إلى المعاني فقط ؛ لأنها ليست من صنيع البشر ، وليس لهم قدرة على إظهارها ؛ من غير ما يدلّ عليها ، (٣) [وأيضا لقالوا : لقد قلنا مثله ولكن لم نلفظ بما يدل عليه] (٣) ولا جائز أن ترجع إلى المجموع لأنا قد بيّنا بطلانه بالنسبة إلى كل واحد ، فيتعين أن يكون الإعجاز لأمر خارج غير ذلك.
وقد اختلف فيه على أقوال :
(إحداها) ـ وهو قول النظام (٤) لا إن الله صرف العرب عن معارضته وسلب عقولهم ، وكان مقدورا لهم ؛ لكن عاقهم أمر خارجيّ ، فصار كسائر المعجزات.
__________________
(١) في المخطوطة (الكملة).
(٢) في المطبوعة (في).
(٣) ليست في المطبوعة.
(٤) هو إبراهيم بن سيّار ، أبو إسحاق النظام ، شيخ المعتزلة. تكلّم في القدر ، وانفرد بمسائل وهو شيخ