ومقبوضه ومبسوطه ، فما [هو] (١) بالشعر! قالت له قريش : فساحر؟ قال : وما هو بساحر ، قد رأينا السّحّار وسحرهم ، فما هو بنفثه ولا عقده ، والله إن لقوله لحلاوة ، وإن عليه لطلاوة ، وإن أسفله لمغدق ، وإن أعلاه لمثمر ، وإنه ليعلو ولا يعلى ، سمعت قولا يأخذ القلوب.
قالوا : مجنون ، قال : لا والله ما هو بمجنون ، ولا بخنقه ولا بوسوسته (٢) ولا رعشته ، قالوا : كاهن. قال : قد رأينا الكهّان فما هو بزمزمة [الكهّان] (٣) ولا بسجعهم. ثم حملته الحميّة فنكص على عقبيه وكابر حسّه (٤) فقال : (إِنْ هذا إِلاَّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ* إِنْ هذا إِلاَّ قَوْلُ الْبَشَرِ) (المدثر : ٢٤ و ٢٥).
(مسألة) التحدّي إنما وقع للإنس دون الجن ، [لأن الجنّ] (٥) ليسوا من أهل اللسان العربي الذي جاء القرآن على أساليبه ؛ وإنما ذكروا في قوله [تعالى] (٦) (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُ) (٧) [عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً] (٧) (الإسراء : ٨٨) تعظيما لإعجازه ، لأن الهيئة الاجتماعية لها من القوة ما ليس للأفراد ، فإذا فرض اجتماع جميع الإنس والجن ، وظاهر بعضهم بعضا ، وعجزوا عن المعارضة كان الفريق الواحد أعجز ، ونظيره في الفقه تقدّم (٨) الأخ الشقيق على الأخ للأب في ولاية النكاح ؛ مع أن الأمومة ليس لها مدخل في النكاح.
فصل (٩) في أنه هل يعلم إعجاز القرآن ضرورة
قال القاضي (١٠) : «ذهب أبو الحسن الأشعري إلى أن ظهور ذلك على النبي صلىاللهعليهوسلم يعلم ضرورة ، وكونه معجزا يعلم بالاستدلال ، وهذا المذهب يحكى عن المخالفين. والذي نقوله : إن الأعجمي لا يمكنه أن يعلم إعجازه إلا استدلالا ، وكذلك من ليس ببليغ ، فأما البليغ الذي أحاط بمذاهب العرب وغرائب الصنعة ، فإنه يعلم من نفسه ضرورة عجزه وعجز غيره عن الإتيان بمثله».
__________________
(١) ساقطة من المخطوطة.
(٢) تصحفت في المخطوطة إلى (سوسته).
(٣) ساقطة من المخطوطة.
(٤) تصحفت في المخطوطة إلى (سحة).
(٥) ساقطة من المخطوطة.
(٦) ليست في المطبوعة.
(٧) تمام الآية ليس في المطبوعة.
(٨) في المخطوطة (يقدم).
(٩) في المخطوطة (مسألة).
(١٠) انظر إعجاز القرآن للباقلاني ص ٢٥٩.