فإن (١) قلت : فلم يكونوا مؤمنين حال الترغيب! قلت : كانوا مؤمنين قبله ؛ بدليل سبب نزولها ، وعوملوا [٩٤ / ب] هذه المعاملة من الإضافة مبالغة في الترغيب.
وأما مقام الترهيب فهو مضادّ له ؛ كقوله تعالى : (وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ ناراً خالِداً فِيها) (النساء : ١٤) ويدل على قصد مجرد الترهيب بطلان النصوصية من ظاهرها على عدم المغفرة لأهل المعاصي ؛ لأنّ «من» للعموم لأنها (٢) في سياق الشرط ، فيعمّ (٣) في جميع المعاصي فقد حكم عليهم بالخلود ، وهو ينافي المغفرة ، وكذلك كلّ مقام يضاد الآخر ، ويعتبر التفاضل بين العبارتين من وجوه :
(أحدها) المعاني الإفرادية ؛ بأن يكون بعضها أقوى دلالة وأفخم (٤) مسمّى ، وأسلس لفظا ونحوه.
(الثاني) : المعاني الإعرابية أن يكون مسمّاها أبلغ معنى ؛ كالتمييز مع البدل في قوله تعالى : (وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً) (مريم : ٤) مع اشتعل الرأس شيبة ؛ وهذا أبلغ من : «اشتعل شيب الرأس».
(الثالث) : مواقع التركيب ، كقوله تعالى : (وَقالَ اللهُ لا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ) (النحل : ٥١) فإن الأولى جعل «اثنين» مفعول : «يتخذوا» و «إلهين» صفة له تقدمت (٥) فانتصبت على الحال ، والتقدير : اتخذوا إلهين اثنين ، لأن «اثنين» أعمّ من «إلهين».
فصل في اشتمال القرآن على أنواع الإعجاز
وهو أن يقع التركيب بحيث لا يمتنع أن يوجد ما هو أشدّ تناسبا ولا اعتدالا (٦) [في] (٧) إفادة ذلك المعنى. وقد اختلف في أنّه : هل تتفاوت (٨) فيه مراتب الفصاحة؟ واختار القاضي أبو بكر ابن الطيب في كتاب «الإعجاز (٩)» المنع ، وأنّ كل كلمة موصوفة بالذروة العليا ،
__________________
(١) في المخطوطة (قال).
(٢) في المخطوطة (لأن من).
(٣) اضطربت في المخطوطة إلى (ذم).
(٤) في المخطوطة (وأفحم).
(٥) في المخطوطة (فقدمت).
(٦) في المخطوطة (اعتدالى).
(٧) ساقطة من المخطوطة.
(٨) في المخطوطة (مقارب).
(٩) انظر إعجاز القرآن ص ٣٥ وما بعدها ، الوجه الثالث من فصل في جملة وجوه من إعجاز القرآن.