(تنبيه) ذكر (١) ابن أبي الحديد : «اعلم أن معرفة الفصيح والأفصح ، والرشيق والأرشق ، والجليّ والأجلى ، والعليّ والأعلى من الكلام أمر لا يدرك إلا بالذوق ، ولا يمكن إقامة الدلالة المنطقية عليه ، وهو بمنزلة جاريتين : إحداهما بيضاء مشربة حمرة ، دقيقة الشفتين ، نقية الشعر ، كحلاء العين ، أسيلة الخد ، دقيقة الأنف ، معتدلة القامة ، والأخرى دونها في هذه الصفات والمحاسن ؛ لكنّها أحلى في العيون والقلوب منها ، وأليق وأملح ، ولا يدرى لأيّ سبب كان ذلك ، لكنه (٢) بالذوق والمشاهدة يعرف ، ولا يمكن تعليله (٣).
وهكذا (٤) الكلام ؛ نعم يبقى الفرق بين الوصفين أنّ حسن الوجوه وملاحتها ، وتفضيل بعضها على بعض يدركه كلّ من له عين صحيحة ؛ وأما الكلام فلا يعرفه إلاّ بالذوق ، وليس كلّ من اشتغل بالنحو أو باللغة أو بالفقه كان من أهل الذوق ، وممّن يصلح لانتقاد الكلام ؛ وإنما أهل الذوق هم الذين اشتغلوا بعلم البيان وراضوا أنفسهم بالرسائل والخطب والكتابة والشعر ، وصارت لهم بذلك دربة وملكة تامة ؛ فإلى أولئك ينبغي [أن يرجع] (٥) في معرفة الكلام ، وفضل بعضه على بعض».
__________________
(١) في المخطوطة (ذكره) ، وهو عبد الحميد بن هبة الله بن محمد بن محمد بن أبي الحديد المدائني المعتزلي ، أخو موفق الدين ، وهو من أعيان الشيعة ، وله ديوان مشهور. روى عنه الدمياطي. من تصانيفه «الفلك الدائر على المثل السائر» ونظم «فصيح ثعلب» وشرح «نهج البلاغة» في عشرين مجلدات ٦٥٥ ه (الكتبي ، فوات الوفيات ٢ / ٢٥٩).
(٢) في المخطوطة (ولكنه).
(٣) في المخطوطة (تعليقه).
(٤) في المخطوطة (وهذا).
(٥) ساقطة من المخطوطة.