لكل ذي علم الخوض فيه؟ فمنهم من بالغ ومنع الكلام ـ ولو تفنن الناظر في العلوم ، واتسع باعه في المعارف ـ إلا بتوقيف عن النبي صلىاللهعليهوسلم ، أو عمن شاهد التنزيل (١) من الصحابة أو من أخذ منهم من التابعين ، واحتجوا بقوله صلىاللهعليهوسلم : «من فسّر القرآن برأيه فقد أخطأ» (٢) ، وفي رواية : «من قال في القرآن برأيه فقد كفر». وقيل : إن كان ذا معرفة وأدب فواسع له تفسيره ؛ (٣) والعقلاء والأدباء فوضى في معرفة الأغراض (٣) ، واحتجوا بقوله تعالى : (لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ) (ص : ٢٩).
وقد روى عبد الرزاق في «تفسيره» (٤) : حدثنا الثوري عن ابن عباس ، «أنه قسّم التفسير إلى أربعة أقسام : قسم تعرفه العرب في كلامها ، وقسم لا يعذر أحد بجهالته ، يقول من الحلال والحرام ، وقسم يعلمه العلماء خاصة ، وقسم لا يعلمه إلا الله ، ومن ادّعى علمه فهو كاذب» (٥). وهذا تقسيم صحيح.
* فأما الذي تعرفه العرب ، فهو الذي يرجع فيه إلى لسانهم ، وذلك شأن اللغة والإعراب. فأما اللغة فعلى المفسّر معرفة معانيها ، ومسمّيات أسمائها ، ولا يلزم ذلك القارئ. (٦) ثم إن كان ما تتضمنه (٦) ألفاظها يوجب العمل دون العلم ، كفى فيه خبر الواحد [١٠٣ / أ] والاثنين والاستشهاد بالبيت والبيتين ؛ وإن كان مما يوجب العلم [دون العمل] (٧) لم يكف ذلك ، بل لا بدّ أن يستفيض ذلك اللفظ ، وتكثر شواهده من الشعر.
وأما الإعراب ؛ فما كان اختلافه محيلا للمعنى وجب على المفسّر والقارئ تعلّمه ، ليتوصل المفسر إلى معرفة الحكم ، وليسلم القارئ من اللّحن ، وإن لم يكن محيلا للمعنى
__________________
(١) في المخطوطة (التفسير).
(٢) الحديث تقدم في ٢ / ٣٠٣.
(٣) العبارة في المخطوطة (وإلا فلا الأدباء فوضى في معرفته الأعراض).
(٤) تقدم التعريف بالكتاب في ٢ / ٢٩٨.
(٥) قول ابن عباس أخرجه الطبري في التفسير ١ / ٢٦. وذكره السيوطي في الدر المنثور ٢ / ٧ وعزاه لابن المنذر.
(٦) العبارة في المخطوطة (فإن كان مما يتضمن).
(٧) ساقطة من المطبوعة.