فأما الأول : وهو معرفة الألفاظ ، فهو أمر نقلي يؤخذ عن أرباب التفسير ، ولهذا كان عمر بن الخطاب رضياللهعنه يقرأ قوله تعالى : (فاكِهَةً وَأَبًّا) (عبس : ٣١) فلا يعرفه ، فيراجع نفسه ويقول : ما الأبّ؟ ويقول : إنّ هذا منك تكلّف (١). وكان ابن عبّاس ـ وهو ترجمان القرآن ـ يقول : «لا أعرف (حَناناً) (مريم : ١٣) ولا (غِسْلِينٍ) (الحاقة : ٣٦) ولا (الرَّقِيمِ) (الكهف : ٩)» (٢).
وأما المعاني التي تحتملها الألفاظ ، (٣) [فالأمر في معاناتها أشدّ لأنها نتائج العقول.
وأما رسوم النظم فالحاجة إلى الثقافة والحذق فيها أكثر ؛ لأنها لجام الألفاظ] (٣) وزمام (٤) المعاني ، وبه يتصل أجزاء (٥) الكلام ، ويتّسم بعضه ببعض ، فتقوم له صورة في النفس يتشكّل بها البيان ، فليس المفرد بذرب اللسان وطلاقته كافيا لهذا الشأن ، ولا كلّ من أوتي (٦) خطاب بديهة ناهضا بحمله (٦) ما لم يجمع إليها سائر الشروط.
(مسألة) قيل : أحسن طريق التفسير أن يفسّر القرآن بالقرآن ، فما أجمل في مكان فقد فصّل (٧) في موضع آخر ، وما اختصر في مكان فإنه قد بسط في آخر ؛ فإن أعياك ذلك فعليك بالسنة ، فإنها شارحة للقرآن ، وموضّحة له ، قال [الله] (٨) تعالى : (وَما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (النحل : ٦٤) ولهذا قال صلىاللهعليهوسلم : «ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه» (٩) يعني السنة ؛ فإن لم [١٠٥ / أ] يوجد في السنة
__________________
(١) تقدم تخريجه في ١ / ٣٩٩.
(٢) أخرجه عبد الرزاق في التفسير ١ / ٧١٤ (رسالة دكتوراه في جامعة الأزهر) في سورة الكهف الآية (٩) الحديث (١٦٥٥) ، ... عن ابن عباس رضياللهعنهما قال : «كل القرآن أعلمه إلا أربعا (غسلين) و (حنانا) و (الأواه) و (الرقيم)». وأخرجه عبد بن حميد (ذكره السيوطي في الدر المنثور ٣ / ٢٨٥).
(٣) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.
(٤) تصحفت في المخطوطة إلى (وزمان).
(٥) تصحفت في المخطوطة إلى (آخر).
(٦) كذا العبارة في المطبوعة ، وهي في المخطوطة : (خطابا يهديه ناهضا لحمله).
(٧) في المخطوطة (فسّر).
(٨) لفظ الجلالة ليس في المطبوعة.
(٩) من حديث للمقدام بن معد يكرب رضياللهعنه ، أخرجه أحمد في المسند ٤ / ١٣٠ ـ ١٣١. والدارمي