ومن ذلك قصة مروان بن الحكم [في] (١) سؤاله ابن عباس : «لئن كان كلّ امرئ فرخ بما أوتي وأحبّ أن يحمد بما لم يفعل معذّبا لنعذّبنّ أجمعون! فقال ابن عباس : هذه الآيات نزلت في أهل الكتاب ، ثم تلا : (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ) (آل عمران : ١٨٧) وتلا : (لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا) (آل عمران : ١٨٨) قال ابن عباس : سألهم النبي صلىاللهعليهوسلم عن شيء فكتموه ، وأخبروه بغيره ، فخرجوا وقد أروه أن قد أخبروه بما سألهم عنه ، واستحمدوا (٢) بذلك إليه ، وفرحوا بما أوتوا من كتمانهم ما سألهم عنه» (٣). وقد سبق فيه كلام في النوع الأول في معرفة سبب النزول فاستحضره.
ومن هذا ما قاله الشافعي (٤) في قوله تعالى : (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً) (الأنعام : ١٤٥) «أنه لا متمسك فيها لمالك (٥) على العموم ؛ لأنهم سألوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن
__________________
(٧٩) ، الحديث (١٦٤٣). قال عروة «سألت عائشة رضياللهعنها فقلت لها أرأيت قول الله تعالى (إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ ، فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما) فو الله ما على أحد جناح أن لا يطوف بالصّفا والمروة. قالت : بئس ما قلت يا ابن أختي ، إنّ هذه لو كانت كما أوّلتها عليه كانت لا جناح عليه أن لا يتطوّف بهما ، ولكنّها أنزلت في الأنصار ، كانوا قبل أن يسلموا يهلّون لمناة الطاغية التي كانوا يعبدونها عند المشلّل ، فكان من أهلّ يتحرّج أن يطوف بالصّفا والمروة ، فلمّا أسلموا سألوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن ذلك قالوا : يا رسول الله ، إنّا كنّا نتحرّج أن نطوف بين الصفا والمروة ، فأنزل الله تعالى (إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ) الآية. قالت عائشة رضياللهعنها : وقد سنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم الطواف بينهما فليس لأحد أن يترك الطواف بينهما. ثم أخبرت أبا بكر بن عبد الرحمن فقال : إنّ هذا لعلم ما كنت سمعته ، ولقد سمعت رجالا من أهل العلم يذكرون أنّ الناس ـ إلاّ من ذكرت عائشة ممن كان يهلّ بمناة ـ كانوا يطوفون كلّهم بالصفا والمروة ، فلمّا ذكر الله تعالى الطواف بالبيت ولم يذكر الصفا والمروة في القرآن ، قالوا : يا رسول الله ، كنّا نطوف بالصفا والمروة ، وإنّ الله أنزل الطواف بالبيت فلم يذكر الصفا ، فهل علينا من حرج أن تطّوّف بالصفا والمروة؟ فأنزل الله تعالى (إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ) الآية. قال أبو بكر : فأسمع هذه الآية نزلت في الفريقين كليهما : في الذين كانوا يتحرّجون أن يطوفوا في الجاهلية بالصفا والمروة ، والذين يطوفون ثم تحرّجوا أن يطوفوا بهما في الإسلام من أجل أنّ الله تعالى أمر بالطواف بالبيت ولم يذكر الصفا ، حتى ذكر ذلك بعد ما ذكر الطواف بالبيت».
(١) ليست في المطبوعة.
(٢) في المخطوطة (واستحمدوه).
(٣) تقدم هذا الحديث في ١ / ١٢١.
(٤) تقدم قوله مفصلا في ١ / ١١٧.
(٥) في المخطوطة (الملك).