القشيري (١) : «ويصلح معنى التخصيص قوله صلىاللهعليهوسلم : «إذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه ، وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم» (٢).
فصل
وقد يكون اللفظ محتملا لمعنيين ، وهو في أحدهما أظهر ، فيسمى الراجح ظاهرا ، والمرجوح مؤولا. مثال المؤول قوله تعالى : (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ) (الحديد : ٤) فإنه يستحيل حمل المعيّة على القرب بالذات ، فتعيّن صرفه عن ذلك ، وحمله إما على الحفظ والرعاية ، أو على القدرة والعلم والرؤية ، كما قال تعالى : (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) (ق : ١٦) وكقوله تعالى : (وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ) (الإسراء : ٢٤) فإنه يستحيل حمله على الظاهر ، لاستحالة أن يكون آدميّ له أجنحة ، فيحمل على الخضوع وحسن الخلق. وكقوله [تعالى] (٣) : (وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ) (الإسراء : ١٣) يستحيل أن يشدّ في القيامة في عنق كلّ طائع وعاص وغيرهما طير من الطيور ، فوجب حمله على التزام الكتاب في الحساب لكلّ واحد منهم بعينه.
ومثال الظاهر قوله تعالى : (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ) (الأنعام : ١٤٥) فإن الباغي يطلق على الجاهل وعلى الظالم وهو فيه أظهر وأغلب ، كقوله تعالى : (ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللهُ) (الحج : ٦٠). وقوله : (وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ) (البقرة : ٢٢٢) فيقال للانقطاع طهر ، وللوضوء والغسل ؛ غير أن الثاني أظهر. وكقوله تعالى : (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) (البقرة : ١٩٦) فيقال : للابتداء التمام وللفراغ (٤) غير أن الفراغ أظهر.
وقوله تعالى : (فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) (الطلاق : ٢) فيحتمل أن يكون الخيار في الأجل أو بعده ؛ (٥) [والظاهر الأول ، لكنه يحمل على أنه مفارقة الأجل.
وقوله : (فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما) (البقرة : ١٥٨)] (٥) والظاهر يقتضي حمله
__________________
(١) هو محمد بن علي بن وهب أبو الفتح تقي الدين القشيري تقدم التعريف به في ٢ / ٣٣٨
(٢) الحديث أخرجه عن أبي هريرة رضياللهعنه مسلم في الصحيح ٢ / ٩٧٥ ، كتاب الحج (١٥) ، باب فرض الحج مرة في العمر (٧٣) ، الحديث (٤١٢ / ١٣٣٧).
(٣) ليست في المطبوعة.
(٤) في المطبوعة (والفراغ).
(٥) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.