مِنْ دُونِ اللهِ شُرَكاءَ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَ) (يونس : ٦٦) معناه يدعون من دون الله شركاء إلا الظن. وقوله تعالى : (قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ) (الأعراف : ٧٥) معناه «الذين استكبروا لمن آمن من الذين استضعفوا».
فصل فيما ورد فيه مبيّنا للإجمال
اعلم أنّ الكتاب هو القرآن المتلوّ ؛ وهو إما نص ، وهو ما لا يحتمل إلا معنى ، كقوله تعالى : (فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ) (البقرة : ١٩٦) وإما ظاهر وهو ما دلّ على معنى مع تجويز غيره.
(١) والرافع لذلك الاحتمال (١) قرائن لفظية ومعنوية ، واللفظية تنقسم إلى متصلة ومنفصلة. أما المتصلة فنوعان : نوع يصرف اللفظ إلى غير الاحتمال الذي لو لا القرينة لحمل عليه ، ويسمى تخصيصا وتأويلا ونوع يظهر به المراد من اللفظ ويسمى بيانا.
(فالأول) كقوله تعالى : (وَحَرَّمَ الرِّبا) (البقرة : ٢٧٥) فإنه دلّ على أن المراد من قوله سبحانه. (وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) (البقرة : ٢٧٥) البعض دون الكلّ الذي هو ظاهر بأصل الوضع ، وبين أنه ظاهر في (٢) الاحتمال الذي دلت عليه القرينة في سياق الكلام. وللشافعي رحمهالله قول بإجمال البيع ؛ لأن الربا مجمل ، وهو في حكم المستثنى من البيع ، واستثناء المجهول من المعلوم يعود بالإجمال (٣) على أصل الكلام. والصحيح الأول ؛ فإن الربا عام في الزيادات كلّها ، وكون البعض غير مراد نوع تخصيص فلا تتغير به دلالة الأوضاع.
(ومثال النوع الثاني) قوله تعالى : (مِنَ الْفَجْرِ) (البقرة : ١٨٧) فإنه فسّر مجمل قوله تعالى : (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ) (البقرة : ١٨٧) إذ لو لا (مِنَ الْفَجْرِ) لبقي الكلام الأول على تردّده وإجماله. وقد ورد أن بعض الصحابة كان يربط في رجله الخيط الأبيض والأسود ، ولا يزال يأكل ويشرب حتى يتبين له لونهما ، فأنزل الله تعالى بعد ذلك : (مِنَ الْفَجْرِ) فعلموا أنه أراد الليل والنهار (٤).
__________________
(١) العبارة في المخطوطة (والواقع كذلك لاحتمال).
(٢) في المخطوطة (من).
(٣) في المخطوطة (بإجماع).
(٤) الحديث أخرجه البخاري في الصحيح ٤ / ١٣٢ ، كتاب الصوم (٣٠) ، باب قول الله تعالى (وَكُلُوا)