كان من الأحكام للناس إليه حاجة عامة أنّ النبي صلىاللهعليهوسلم قد بلّغه الكافة ، وإنما وروده ينبغي أن يكون من طريق التواتر ؛ نحو الوضوء من مسّ الفرج ومن مسّ المرأة ، ومما مست النار ونحوها ، لعموم البلوى بها ، فإذا لم نجد ما كان فيها بهذه المنزلة واردا من طريق التواتر ، علمنا أن الخبر غير ثابت في الأصل». انتهى.
وهذه الدلالة ممنوعة ؛ لأن التبليغ مطلق غير مقيّد بصورة التواتر فيما تعمّ به البلوى ، فلا تثبت زيادة ذلك إلا بدليل. ومن المعلوم أن الله سبحانه لم يكلّف رسوله صلىاللهعليهوسلم إشاعة شيء إلى جمع يتحصل بهم القطع غير القرآن ؛ لأنه المعجز الأكبر ، وطريق معرفته القطع ، فأما باقي الأحكام فقد كان النبي صلىاللهعليهوسلم يرسل بها إلى الآحاد والقبائل ، وهي مشتملة على ما تعم به البلوى قطعا.
* (الخامس) : خطاب الجنس نحو (يا أَيُّهَا النَّاسُ) (البقرة : ٢١) فإن المراد جنس الناس لا كل فرد ، وإلا فمعلوم أن غير المكلّف لم يدخل تحت هذا الخطاب ، (١) وهذا يغلب في خطاب أهل مكة (١) كما سبق ، ورجّح الأصوليون دخول النبي صلىاللهعليهوسلم في الخطاب (٢) ب (يا أَيُّهَا النَّاسُ) (٢) وفي القرآن سورتان ، أولهما (يا أَيُّهَا النَّاسُ) ، إحداهما في النصف الأول ، وهي السورة الرابعة منه ، وهي سورة النساء ، والثانية في النصف الثاني منه. وهي سورة الحج. والأولى تشتمل على شرح المبدأ ، والثانية تشتمل على شرح المعاد ، فتأمل هذا الترتيب ما أوقعه في البلاغة! قال الراغب (٣) : و «(النَّاسُ) قد يذكّر ويراد به الفضلاء دون من يتناوله اسم «الناس» تجوّزا ، وذلك إذا اعتبر (٤) معنى الإنسانية ، وهو وجود الفضل (٥) والذّكر وسائر القوى المختصة [به] (٦) فإن كل شيء عدم فعله المختص به لا يكاد يستحق اسمه ، كاليد فإنها إذا عدمت فعلها الخاص بها ، فإطلاق اليد عليها كإطلاقه على يد السرير ، ومثله بقوله تعالى :
__________________
(١) تصحفت العبارة في المخطوطة إلى (وقد نقلت في خطاب مسلمة).
(٢) عبارة المخطوطة : «نحو : (يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ ...)».
(٣) في المفردات ص ٥٠٩ ، مادة نوس.
(٤) في المخطوطة (اعتبرت).
(٥) تصحفت في المخطوطة والمطبوعة إلى (العقل) وما أثبتناه من المفردات.
(٦) ساقطة من المخطوطة.