يخاطبها بغير واسطة لتفوز بشرف المخاطبة ؛ إذ ليس من الفصيح أن يقول الرسول (١) للمرسل إليه قال لي المرسل : قل كذا وكذا ؛ ولأنه لا يمكن إسقاطها ؛ فدل على أن المراد بقاؤها ، ولا بدّ لها من فائدة ، فتكون أمرا من المتكلّم للمتكلّم بما يتكلم به أمره شفاها (٢) بلا واسطة ؛ كقولك لمن تخاطبه : افعل كذا.
* (الثالث والثلاثون) : خطاب المعدوم. ويصحّ ذلك تبعا لموجود ، كقوله تعالى : (يا بَنِي آدَمَ) (الأعراف : ٢٦) فإنه خطاب لأهل ذلك الزمان ، ولكلّ من بعدهم ، وهو على نحو ما يجري من الوصايا في خطاب الإنسان لولده وولد ولده ما تناسلوا ، بتقوى الله وإتيان طاعته. قال الرمّاني (٣) في «تفسيره» : وإنما جاز خطاب المعدوم لأن الخطاب يكون بالإرادة للمخاطب دون غيره ، وأما قوله تعالى : (كُنْ فَيَكُونُ) (النحل : ٤٠) فعند الأشاعرة أن وجود العالم حصل بخطاب «كن».
وقالت الحنفية : التكوين أزليّ قائم بذات البارئ سبحانه ، وهو تكوين لكل جزء من أجزاء العالم عند وجوده ، لا أنه يوجد عند «كاف ونون». وذهب فخر الإسلام شمس الأئمة (٤) منهم إلى أنّ خطاب «كن» موجود عند إيجاد كل شيء ، فالحاصل عندهم في إيجاد الشيء شيئان : الإيجاد [١١٧ / ب] وخطاب «كن».
واحتج الأشاعرة بظاهر قوله تعالى : (إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (النحل : ٤٠) [وقوله : (إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)] (٥)
__________________
(١) في المخطوطة (المرسل).
(٢) اضطربت الكلمة في المخطوطة.
(٣) هو علي بن عيسى بن علي ، أبو الحسن الرمّاني تقدم التعريف به في ١ / ١٥١ ، و «تفسيره» ذكره ياقوت في معجم الأدباء ٥ / ٢٨١ ، ومنه نسخة مخطوطة في القدس برقم ٢٩. (معجم الدراسات القرآنية ص ٢٥٨).
(٤) هو محمد بن أحمد بن أبي سهل أبو بكر شمس الأئمة. وفخر الإسلام ، كان إماما علامة حجة متكلما مناظرا أصوليا مجتهدا لازم عبد العزيز الحلواني وأخذ عنه حتى تخرج به وصار أوحد زمانه ، وتفقه عليه برهان الأئمة عبد العزيز بن عمر بن مازه ، وركن الدين مسعود بن الحسن وغيرهما. من مصنفاته «المبسوط» خمسة عشر مجلدا أملاه وهو في الجب سجينا و «شرح السير الكبير» وغيرها (ت ٤٩٠ ه) (اللكنوي ، الفوائد البهية : ١٥٨).
(٥) ما بين الحاصرتين ليس في المخطوطة.