وأما (١) معناه ، فقال الحاتميّ (٢) : معناه طريق القول ، ومأخذه مصدر «جزت مجازا» كما يقال : «قمت مقاما». قال الأصمعيّ : كلام العرب إنما هو مثال شبه الوحي (٣).
وله سببان : (أحدهما) الشّبه ، ويسمّى المجاز اللغويّ وهو الذي يتكلم فيه الأصوليّ.
(والثاني) الملابسة (٤) ، وهذا هو الذي يتكلم فيه أهل اللسان ؛ ويسمّى المجاز العقلي ، وهو أن تسند (٥) الكلمة إلى غير ما هي له أصالة بضرب من التأويل ، كسبّ زيد أباه ، إذا كان سببا فيه. والأول مجاز في المفرد ؛ وهذا مجاز في المركب.
ومنه قوله تعالى : (وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً) (الأنفال : ٢) ونسبت (٦) الزيادة التي هي فعل الله إلى الآيات لكونها سببا فيها. وكذا قوله [تعالى] (٧) : (وَذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْداكُمْ) (فصلت : ٢٣) وقوله : (يُذَبِّحُ أَبْناءَهُمْ) (القصص : ٤) والفاعل غيره ، ونسب الفعل إليه لكونه الآمر به.
وكقوله : (يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما) (الأعراف : ٢٧) نسب النزع الذي هو فعل الله إلى إبليس [لعنه الله] (٨) ؛ لأن سببه أكل الشجرة ، وسبب أكلها وسوسته ومقاسمته إياهما إنه لهما لمن الناصحين. وقوله [تعالى] (٨) : (فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ) (البقرة : ١٦) جعل التجارة الرابحة. وقوله : (فَإِذا عَزَمَ الْأَمْرُ) (محمد : ٢١) لأن الأمر هو المعزوم عليه بدليل : (فَإِذا عَزَمْتَ [فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ]) (٨) (آل عمران : ١٥٩).
وقوله : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ) (إبراهيم : ٢٨) فنسب الإحلال الذي هو فعل الله إلى أكابرهم ؛ لأنّ سببه كفرهم ، وسبب كفرهم أمر أكابرهم إياهم بالكفر.
__________________
(١) في المخطوطة (ما).
(٢) هو محمد بن الحسن بن المظفر أبو علي الحاتمي البغدادي أحد الأعلام المشاهير روى عن أبي عمر الزاهد ، وأدرك ابن دريد وأخذ عنه ، وكان من الحذّاق في اللغة والأدب ، شديد العارضة ، حسن التصرف في الشعر ، وله مع أبي الطيب المتنبي مخاطبة أقذعه فيها. ومن تصانيفه : «حلية المحاضرة» و «مختصر العربية» و «الرسالة الحاتمية» و «المجاز» وغيرها ت ٣٨٨ ه (بغية الوعاة ١ / ٨٧).
(٣) في المخطوطة (بالوحي).
(٤) في المخطوطة (المناسبة).
(٥) في المخطوطة (يسمى).
(٦) في المخطوطة (نسب).
(٧) ليست في المخطوطة.
(٨) ليست في المخطوطة.