وهم لم يدعوه إلى النار ، إنما دعوه إلى الكفر ؛ بدليل قوله : (تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللهِ) (المؤمن : ٤٢) لكن لما كانت النار مسبّبة عنه أطلقها عليه. وقوله تعالى : (فَاتَّقُوا النَّارَ) (البقرة : ٢٤) أي العناد المستلزم للنار. وقوله : (إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً) (النساء : ١٠) لاستلزام أموال اليتامى [إياها] (١).
وقوله تعالى : (وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكاحاً) (النور : ٣٣) إنما أراد ـ والله أعلم ـ الشيء الذي ينكح به ، من مهر ونفقة وما لا بدّ للمتزوج منه. وقوله تعالى : (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ) (البقرة : ١٨٨) أي لا تأكلوها بالسبب الباطل الذي هو القمار. وقوله : (وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ) (المدثر : ٥) أي عبادة الأصنام ؛ لأن العذاب مسبّب عنها. وقوله : (وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً) (التوبة : ١٢٣) أي وأغلظوا (٢) عليهم ، ليجدوا ذلك ، وإنما عدل إلى الأمر بالوجدان تنبيها على أنه المقصود لذاته ، وأما الإغلاظ فلم يقصد لذاته بل لتجدوه.
(الثاني) : عكسه ، وهو إيقاع السبب موقع المسبب (٣). كقوله تعالى : (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها) (الشورى : ٤٠). وقوله [١١٨ / ب] تعالى : (فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ) (البقرة : ١٩٤). سمى الجزاء الذي هو السبب سيئة واعتداء ، فسمّى الشيء باسم سببه وإن عبّرت السيئة (٤) عما ساء ـ أي أحزن ـ لم يكن من هذا الباب ، لأن الإساءة تحزن في الحقيقة ، كالجناية (٥).
ومنه : (وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ) (آل عمران : ٥٤) تجوّز بلفظ «المكر» عن عقوبته لأنه (٦) سبب لها. ومنه قوله : (أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى) (البقرة : ٢٨٢) إنما جعلت المرأتان للتذكير إذا وقع الضّلال لا ليقع الضلال ؛ فلما كان الضلال سببا للتذكير أقيم مقامه.
ومنه إطلاق اسم الكتاب على الحفظ ، أي المكتوب فإن الكتابة سبب له ، كقوله
__________________
(١) ليست في المخطوطة.
(٢) في المخطوطة (واغلظ).
(٣) انظر الإشارة إلى الإيجاز ص ٣٧ ، الفصل الخامس والعشرون من أنواع المجاز.
(٤) في المخطوطة (بالسيئة).
(٥) في المخطوطة (كالخزانة).
(٦) في المخطوطة (لأنها).