وهو كثير في القرآن ، قال الله تعالى : (وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ) (البقرة : ٢٣٥).
والكناية عن الشيء الدلالة عليه من غير تصريح باسمه. وهي عند أهل البيان أن يريد المتكلم إثبات معنى من المعاني فلا يذكره باللفظ الموضوع له من اللغة ؛ ولكن (١) يجيء إلى معنى هو تاليه ورديفه في الوجود ، فيومي به إليه ، ويجعله دليلا عليه ، فيدلّ [١٢٤ / ب] على المراد من طريق أولى ؛ مثاله ، قولهم (٢) : «طويل النّجاد» و «كثير الرّماد» ؛ يعنون طويل القامة وكثير الضّيافة فلم يذكروا المراد بلفظه الخاص به ولكن توصّلوا إليه بذكر معنى آخر ، هو رديفه في الوجود ؛ لأن القامة إذا طالت طال (٣) النّجاد ؛ وإذا كثر القرى كثر الرماد.
وقد اختلف في أنها حقيقة أو مجاز ، فقال الطرطوشي (٤) في «العمد» : «قد اختلف في وجود الكناية في القرآن ، وهو كالخلاف في المجاز ؛ فمن أجاز وجود المجاز فيه أجاز الكناية ؛ وهو قول الجمهور ، ومن أنكر ذلك أنكر هذا.
وقال الشيخ عز الدين (٥) : الظاهر أنّها ليست بمجاز ؛ لأنك استعملت اللفظ فيما وضع له وأردت به الدلالة على غيره ؛ ولم تخرجه عن أن يكون مستعملا فيما وضع له ؛ وهذا شبيه بدليل الخطاب ، في مثل (٦) قوله تعالى : (فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍ) (الإسراء : ٢٣) [انتهى] (٧).
ولها (٨) أسباب :
* (أحدها) : التنبيه على عظم القدرة ، كقوله تعالى : (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ) (الأعراف : ١٨٩) كناية عن آدم.
__________________
(١) في المخطوطة زيادة وهي (ولكن قال ...).
(٢) في المخطوطة (قوله).
(٣) تصحفت في المطبوعة إلى (طالت).
(٤) تصحفت في المطبوعة إلى (الطرطوسي في العمدة) والصواب ما أثبتناه وهو أبو بكر محمد بن الوليد الطرطوشي تقدمت ترجمته في ٢ / ١١٣. وكتابه «العمد في الأصول» ذكره الذهبي في سير أعلام النبلاء ١٩ / ٤٩٤.
(٥) هو عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام تقدم التعريف به ١ / ١٣٢ ، وانظر قوله في كتابه الإشارة ص ٦٣.
(٦) في المخطوطة زيادة في هذا الموضع لا يقتضيها السياق وهي (مثل بدليل) وليست في «الإشارة».
(٧) ساقطة من المطبوعة.
(٨) في المخطوطة (وله).