ورجّحوا الأول ؛ لأن العرب إنما تكني عما يقبح ذكره في اللفظ ، ولا يقبح ذكر الخلوة. وهذا حسن (١) ، لكنه يصلح للترجيح. وأما دعوى كون العرب لا تكني إلا عما يقبح ذكره فغلط ، فكنوا عن القلب بالثوب ، كما في قوله تعالى : (وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ) (المدثر : ٤) وغير ذلك مما سبق.
وأما التعريض
فقيل : إنه الدلالة على المعنى من طريق المفهوم ، وسمّي تعريضا لأن المعنى باعتباره يفهم من عرض اللفظ ، أي من جانبه ، ويسمى التلويح ؛ لأن المتكلم يلوّح منه للسامع ما يريده ، كقوله تعالى : (بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ) (الأنبياء : ٦٣) لأن غرضه بقوله : (فَسْئَلُوهُمْ) على سبيل الاستهزاء وإقامة الحجة عليهم بما عرّض لهم به ، من عجز كبير الأصنام عن الفعل ، مستدلا على ذلك بعدم إجابتهم إذا سئلوا ، ولم يرد بقوله : (بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا) (الأنبياء : ٦٣) نسبة الفعل الصادر عنه (٢) إلى الصنم ، فدلالة هذا الكلام عجز كبير الأصنام عن الفعل بطريق الحقيقة.
ومن أقسامه أن يخاطب الشخص والمراد غيره ، سواء كان الخطاب مع نفسه أو مع غيره ؛ كقوله تعالى : (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ) (الزمر : ٦٥) ، (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ) (البقرة : ١٢٠) ، (فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْكُمُ الْبَيِّناتُ) (البقرة : ٢٠٩) تعريضا بأن قومه أشركوا واتبعوا أهواءهم ، وزلّوا فيما مضى من الزمان ؛ لأنّ الرسول لم يقع منه ذلك ، فأبرز غير الحاصل في معرض الحاصل ادّعاء. وقوله : (فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْكُمُ الْبَيِّناتُ) (البقرة : ٢٠٩) [فإن] (٣) الخطاب للمؤمنين والتعريض لأهل الكتاب ؛ لأنّ الزلل (٤) لهم لا للمؤمنين.
فأما الآية الأولى ففيها ثلاثة أمور : مخاطبة النبي صلىاللهعليهوسلم والمراد غيره ، وإخراج المحال عليه في صورة المشكوك والمراد غيره ، واستعمال المستقبل بصيغة الماضي. وأمر رابع وهو «إن» الشرطية قد لا يراد بها إلا مجرد الملازمة التي هي لازمة الشرط والجزاء ، مع العلم باستحالة الشرط أو وجوبه أو وقوعه.
__________________
(١) في المخطوطة (أحسن).
(٢) ساقطة من المخطوطة.
(٣) في المخطوطة : (منه).
(٤) في المخطوطة (الزلة).