الحق ، و [«في» على] (١) الباطل ، لأن صاحب الحق ، كأنّه على فرس جواد يركض (٢) به ، حيث أراد ، وصاحب الباطل كأنه منغمس في ظلام لا يدري أين يتوجّه. قال السكاكيّ (٣) : ويسمى هذا النوع الخطاب المنصف ، أي لأنه يوجب أن ينصف المخاطب (٤) إذا رجع إلى نفسه استدراجا لاستدراجه الخصم إلى الإذعان والتسليم ، وهو شبيه بالجدل ، لأنه تصرف في المغالطات الخطابيّة.
ومنه قوله تعالى : (إِنَّما تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ) (فاطر : ١٨) المقصود التعريض بذمّ من ليست [له] (٥) هذه الخشية ، وأن يعرف أنه لفرط عناده كأنه ليس له أذن تسمع ، ولا قلب يعقل ، وأن الإنذار له كلا إنذار ، وأنه قد أنذر من له هذه الصفة ، وليست له.
وقوله : (إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ) (الرعد : ١٩) القصد التعريض ، وأنهم (٦) لغلبة هواهم في حكم من ليس له عقل. وقوله تعالى : (ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ) (الدخان : ٤٩) نزلت في أبي جهل ، لأنه قال : «ما بين أخشبيها ـ أي جبليها يعني مكة (٧) ـ أعزّ مني ولا أكرم» ، وقيل : بل خوطب بذلك استهزاء.
وأما التوجيه
وهو ما احتمل معنيين ، ويؤتى به عند فطنة المخاطب ، كقوله تعالى ـ حكاية عن أخت موسى عليهالسلام ـ (هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ ناصِحُونَ) (القصص : ١٢) فإن الضمير في (لَهُ) يحتمل أن يكون لموسى ، وأن يكون لفرعون. قال ابن جريج (٨) :
__________________
(١) ساقطة من المخطوطة.
(٢) في المخطوطة (لم يركض).
(٣) هو يوسف بن أبي بكر بن محمد أبو يعقوب الخوارزمي تقدم التعريف به في ١ / ١٦٣ ، وانظر قوله في مفتاح العلوم ص ٢٤٦ (طبعة بيروت بتصحيح زرزور) ، في القسم الثالث : علما المعاني والبيان ، الفن الثالث : في تفصيل اعتبارات المسند. مسألة تقييد الفعل.
(٤) في المخطوطة (الخطاب).
(٥) ساقطة من المخطوطة.
(٦) في المخطوطة (وأما).
(٧) في المخطوطة زيادة كما يلي (مكة والمدينة). والخبر أخرجه الواحدي في أسباب النزول ص ٢٥٣.
(٨) هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج ، أبو خالد وأبو الوليد القرشي ، الأموي ، المكي ، صاحب التصانيف ، وأول من دوّن العلم بمكة. حدث عن عطاء بن أبي رباح فأكثر وجوّد ، وعن ابن مليكة ، ونافع ،