الثاني : قد يصحب الإنكار التكذيب للتعريض بأن المخاطب ادعاه وقصد تكذيبه ، كقوله تعالى : (أَصْطَفَى الْبَناتِ عَلَى الْبَنِينَ) (الصافات : ١٥٣) (أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى) (النجم : ٢١) (أَإِلهٌ مَعَ اللهِ) (النمل : ٦٠).
وسواء كان زعمهم له صريحا ، مثل : (أَفَسِحْرٌ هذا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ) (الطور : ١٥) أو التزاما ، مثل : (أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ) (الزخرف : ١٩) فإنهم لمّا جزموا بذلك جزم من يشاهد خلق الملائكة كانوا كمن (١) زعم أنه شهد خلقهم.
وتسمية هذا استفهام إنكار ؛ من أنكر إذا جحد ، وهو إما بمعنى «لم يكن» كقوله تعالى : (أَفَأَصْفاكُمْ) (الإسراء : ٤٠) أو بمعنى «لا يكون» نحو : (أَنُلْزِمُكُمُوها) (هود : ٢٨).
والحاصل أن الإنكار قسمان : إبطاليّ وحقيقيّ فالإبطاليّ أن يكون ما بعدها غير واقع ، ومدّعيه كاذب (٢) كما ذكرنا ، والحقيقيّ يكون ما بعدها واقع وأن فاعله ملوم ؛ نحو : (أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ) (الصافات : ٩٥) (أَغَيْرَ اللهِ تَدْعُونَ) (الأنعام : ٤٠) (أَإِفْكاً آلِهَةً) (الصافات : ٨٦) (أَتَأْتُونَ الذُّكْرانَ) (الشعراء : ١٦٥) (أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتاناً) (النساء : ٢٠).
وأما الثاني (٣) : فهو استفهام التقرير ، والتقرير حملك المخاطب على الإقرار والاعتراف بأمر قد استقرّ عنده ، قال أبو الفتح في «الخاطريات» (٤) : ولا يستعمل ذلك ب «هل» (٥) وقال في قوله :
جاءوا بمذق هل رأيت الذئب قطّ (٦)
__________________
(١) في المخطوطة (لمن).
(٢) في المخطوطة (غير كاذب).
(٣) تقدم النوع الأول من أنواع الاستفهام وهو النفي ص ٤٣٤.
(٤) كتاب «الخاطريات» لأبي الفتح عثمان بن جني ذكره ياقوت في معجم الأدباء ١٢ / ١١١ ضمن الكتب التي أجاز روايتها ابن جني للحسين بن أحمد بن نصر فقال : «... وكتاب ما أحضرنيه الخاطر من المسائل المنثورة مما أمللته أو حصل في آخر تعاليقي عن نفسي وغير ذلك مما هذه حاله وصورته ...» وذكره حاجي خليفة في كشف الظنون ١ / ٦٩٩ باسم «الخاطرات» وذكره صاحب الخزانة في ٢ / ٤٧٠.
(٥) في المخطوطة (بها).
(٦) عجز البيت قيل إنه للعجاج انظر ملحق ديوانه ق ٤٦ / ١ ، وهو من شواهد المبرّد في الكامل ٢ / ١٠٥٤ ،