(الحجر : ٣٠) يفيد الشمول والإحاطة ، فلا بد أن يفيد (أَجْمَعُونَ) قدرا زائدا على ذلك وهو اجتماعهم في السجود ؛ وأما المعنى فلأن (١) الملائكة لم تكن (٢) ليتخلّف (٣) أحد منهم عن امتثال الأمر ، ولا يتأخر عنده ، ولا سيما وقد وقّت لهم بوقت وحدّ لهم بحدّ ، وهو التسوية ونفخ الروح ، فلما حصل ذلك سجدوا كلهم عن آخرهم في آن واحد ولم يتخلف منهم أحد ؛ فعلى هذا يخرّج كلام المبرّد الزمخشريّ.
وما نقل عن بعض المتكلمين أن السجود لم يستعمل على الكلّ بدليل قوله : (أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ) (ص : ٧٥) (٤) [مردود ؛ بل «العالون» المتكبرون ؛ وفي «رسائل إخوان الصفاء» (٥) أن (الْعالِينَ)] هم العقول العاقة التي لم تسجد ، وهذا تحريف ، ولم يقم دليل على إثبات العقول التي تدعيها الفلاسفة.
__________________
(١) تصحفت في المخطوطة إلى (وأما).
(٢) في المخطوطة (فلم يكن).
(٣) في المخطوطة (يتخلف).
(٤) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.
(٥) رسائل إخوان الصفاء ، ذكرها حاجي خليفة في كشف الظنون ١ / ٩٠٢ ، وجاء تعريفها في دائرة المعارف الإسلامية ١ / ٥٢٧ ـ ٥٢٩ كالتالي : «إخوان الصفاء» : في النصف الثاني من القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي ٣٧٣ ه ٩٨٣ م) ظهرت جماعة سياسية دينية ذات نزعات شيعية متطرفة ، وربما كانت إسماعيلية على وجه أصح ، أنتجت سلسلة من الرسائل رتبت ترتيبا جامعا لشتات العلوم متمشيا مع الأغراض التي قامت من أجلها الجماعة. ويقال عادة إن هذه الرسائل قد جمعت ونشرت في أواسط القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي) تقريبا. وهي تبلغ ٥٢ رسالة ويذكر من مؤلفيها : أبو سليمان محمد بن مشير البستي المشهور بالمقدسي ، وأبو الحسن علي بن هارون الزنجاني ، ومحمد بن أحمد النهرجوري ، والعوفي ، وزيد بن رفاعة. كان إخوان الصفاء يميلون إلى التعبير عما يجول في نفوسهم بأسلوب غير صريح. والآراء التي تضمنتها هذه الرسائل مستمدة من مؤلفات القرنين الثامن والتاسع الميلاديين. ونزعتهم الفلسفية هي نزعة قدماء مترجمي الحكمة اليونانية والفارسية والهندية وجامعيها الذين يأخذون من كل مذهب بطرف. وتتردد في هذه الرسائل أسماء هرمس وفيثاغورس وسقراط وأفلاطون أكثر من أرسطوطاليس. وهذا الأخير يعتبرونه منطقيا ومؤلفا لكتاب «أثولوجيا» الأفلاطوني و «كتاب التفاحة». ولا نجد في رسائل إخوان الصفاء أثرا للفلسفة المشائية الحقيقية التي بدأت بظهور الكندي. ومن خصائص نزعتهم الفلسفية أنهم لم يأخذوا شيئا من الكندي ، ولو أنهم أخذوا من أحد تلاميذه الذين انحرفوا عن مذهبه وهو المنجّم البهرج أبو معشر المتوفى عام ٢٧٢ ه (٨٨٥ م).
وقد أخذت هذه الرسائل من كل مذهب فلسفي بطرف. والمحور الذي تدور عليه : فكرة الأصل