ووقع خلاف في أنّ إبليس من الملائكة أم لا؟ والتحقيق أنه ليس منهم عنصرا ، ففي «صحيح مسلم» (١) : «خلقت الملائكة من نور ، وخلقت (٢) الجانّ من النّار ، وخلق آدم مما وصف (٣) لكم» (٤) وهو منهم حكما لدخوله في الخطاب بالأمر بالسجود معهم ، ولو كان من غيرهم لم يدخل معهم.
وأما قوله : (إِلاَّ آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ) (الحجر : ٥٩) فلم يذكر قبله (كُلُّهُمْ) لما لم يكن المراد كلّ واحد واحد من الآية (٥) لم تحسن (٦) الزيادة في التأكيد ، بدليل الاستثناء بعده من قوله : (إِلاَّ امْرَأَتَهُ) (الحجر : ٦٠).
__________________
السماوي للأنفس وعودتها إلى الله ، وقد صدر العالم عن الله ، كما يصدر الكلام عن المتكلم أو الضوء عن الشمس ، ففاض عن وحدة الله بالتدرج : العقل ، ومن العقل النفس ، ثم المادة الأولى ، ثم عالم الطبائع ، ثم الأجسام ، ثم عالم الأفلاك ، ثم العناصر ثم ما يتركب منها وهي المعادن والنبات والحيوان. والمادة في هذا الفيض تبدو أساسا للتشخص ولكل شر ونقص وليست النفوس الفردية إلا أجزاء من النفس الكلية ، تعود إليها مطهرة بعد الموت ، كما ترجع النفس الكلية إلى الله ثانية يوم المعاد. والموت عند إخوان الصفاء يسمى البعث الأصغر ، بينما تسمى عودة النفس الكلية إلى بارئها البعث الأكبر.
ويذهب إخوان الصفاء إلى أن الأديان كلها في جميع العصور وعند جميع الناس يجب أن تتفق وهذه الحكمة. وغرض كل فلسفة وكل دين هو أن تتشبه النفس بالله بقدر ما يستطيعه الانسان. وقد أوّلوا القرآن تأويلا رمزيا لكي يتمشى مع هذا التصور الروحي للأديان ، كما أوّلوا بعض القصص غير الدينية تأويلا رمزيا مثل قصص كتاب «كليلة ودمنة».
وقد كتبت هذه الرسائل الاثنتان والخمسون في أسلوب مسهب فيه تكرار وحض على الفضيلة. وهذه الرسائل تشبه في الظاهر موسوعة في العلوم المختلفة. والجزء الأول من هذه الرسائل يحتوي على أربع عشرة رسالة تعالج مبادئ الرياضيات والمنطق. بينما يعالج الجزء الثاني الذي يحتوي على سبع عشرة رسالة في العلوم الطبيعية بما فيها علم النفس. أما الرسائل العشر التي يتضمنها الجزء الثالث فتبحث فيما بعد الطبيعة. وتتناول الرسائل الإحدى عشرة الأخيرة التصوف والتنجيم والسحر. وقد فصل الكلام في الرسالة الخامسة والأربعين من الجزء الرابع عن نظام هذه الجماعة وطبيعة تكوينها.
(١) في المخطوطة (الصحيح).
(٢) في صحيح مسلم : (وخلق الجانّ من مارج من نار).
(٣) في المخطوطة (وصفت) والصواب ما أثبتناه وهو الموافق للفظ مسلم.
(٤) أخرجه في الصحيح (من حديث عائشة رضياللهعنها) ٤ / ٢٢٩٤ ، كتاب الزهد والرقائق (٥٣) ، باب في أحاديث متفرقة (١٠) الحديث ٦٠ / ٢٩٩٦.
(٥) في المخطوطة (الآن).
(٦) في المخطوطة (يخش).