الزمخشري في مواضع من «كشّافه». قال (١) في قوله تعالى : (وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) (البقرة : ٤) معناه الحصر ، أي لا يؤمن بالآخرة إلا هم. وقال في قوله (٢) : (أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ) (الأنبياء : ٢١) أن معناه لا ينشر إلا هم [١٤٢ / ب] ، وإن المنكر عليهم ما يلزمهم حصر الألوهية فيهم. ثم خالف هذه القاعدة لمّا خالف مذهبه الفاسد في قوله تعالى : (وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنَ النَّارِ) (البقرة : ١٦٧) فقال (٣) : هم هنا بمنزلتها في قوله :
هم يفرشون اللّبد كل طمرّة (٤)
في دلالته على قوة أمرهم فيما أسند إليهم ، لا على الاختصاص. انتهى.
وبيانه أن مقتضى قاعدته في هذه الآية يدلّ على خروج المؤمنين الفسّاق من النار ؛ وليس هذا معتقده ، فعدل عن ذلك إلى التأويل للآية بفائدة (٥) تتم له ، فجعل الضمير المذكور يفيد تأكيد نسبة الخلود لهم لا اختصاصه (٦) بهم ؛ وهم عنده بهذه المثابة لأن عصاة المؤمنين وإن خلّدوا في النار على زعمه إلا أن الكفّار عنده أحق بالخلود وأدخل في استحقاقه من عصاة المؤمنين ، فتخيل في تخريج الآية على قاعدة مذهبه من غير خروج عن قاعدة أهل المعاني في اقتضاء تقديم الضمير الاختصاص. والجواب عن هذا أنّ إفادة تقديم الضمير المبتدإ للاختصاص والحصر أقوى وأشهر عندهم من إفادة مجرد التمكن في الصفة.
وقد نص الجرجانيّ في «دلائل الإعجاز» (٧) على أن إفادة تقديم الفاعل على الفعل للاختصاص جليلة وأما إرادة تحقيق الأمر عند السامع أنهم بهذه الصفة ، وأنهم متمكنون منها فليست جليلة (٨) ، وإذا كان كذلك فلا يعدل عن المعنى الظاهر إلا بدليل ، وليس هنا ما يقتضي إخراج الكلام عن معناه الجليّ ، كيف وقد صحت الأحاديث وتواترت على أن العصاة
__________________
(١) انظر الكشاف ١ / ٢٤.
(٢) انظر الكشاف ٣ / ٧٠٦.
(٣) انظر الكشاف ١ / ١٠٦.
(٤) في المخطوطة (ظهيرة). والبيت ذكره الجرجاني في دلائل الإعجاز : ١٠٠.
(٥) في المخطوطة (لفائدة).
(٦) في المخطوطة (لاختصاصه).
(٧) انظر دلائل الإعجاز للجرجاني ص : ٩٦ ـ ١١١ ، فصل التقديم والتأخير.
(٨) في المخطوطة (جلية).