وحكى (١) ابن الجوزيّ عن ابن ناصر (٢) عن شيوخه عن ميمونة بنت شاقولة البغدادية رضياللهعنها قالت : «آذانا جار لنا ، فصلّيت ركعتين ، وقرأت من فاتحة كلّ سورة آية حتى ختمت القرآن ، وقلت : اللهم اكفنا أمره ، ثم نمت وفتحت عيني ؛ وإذا به قد نزل وقت السّحر فزلّت قدمه ، فسقط ومات».
«وحكي عن ابنها أنه كان في دارها حائط له خرب (٣) ، فقالت : هات رقعة ودواة ، فناولتها ، فكتبت في الرقعة شيئا ، وقالت : دعه في ثقب منه ، ففعلت ، فبقي نحوا من عشرين سنة ، فلمّا ماتت ذكرت ذلك القرطاس ، فقمت فأخذته فوقع الحائط ، فإذا في الرقعة : (إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا) (فاطر : ٤١) يا ممسك السموات والأرض ، أمسكه».
تنبيه
هذا النوع والذي قبله لن (٤) ينتفع به إلا من أخلص لله قلبه ونيّته ، وتدبّر الكتاب في عقله وسمعه ، وعمر به قلبه ، وأعمل به جوارحه ، وجعله سميره في ليله ونهاره ، وتمسك به وتدبره.
هنالك تأتيه الحقائق من كل جانب ؛ وإن لم يكن بهذه الصفة كان فعله مكذّبا لقوله ؛ كما روي أن عارفا وقعت له واقعة ، فقال له صديق له : نستعين بفلان فقال : أخشى أن تبطل صلاتي التي تقدمت هذا الأمر ، وقد صلّيتها. قال صديقه : وأين هذا من هذا؟ قال : لأني قلت في الصلاة : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) (الفاتحة : ٥) فإن استعنت بغيره كذبت ، والكذب في الصلاة يبطلها ، وكذلك الاستعاذة من الشيطان الرجيم لا تكون إلا مع تحقق العداوة ، فإذا قبل إشارة الشيطان واستنصحه فقد كذّب قوله فبطل ذكره.
__________________
(١) في المخطوطة (وعن ابن الجوزي)
(٢) هو محمد بن ناصر بن محمد الحافظ الثقة البغدادي ، أبو الفضل محدث العراق ولد سنة (٤٦٧). كان ثقة ثبتا حسن الطريقة متدينا فقيرا متعففا نزيها ، صحب أبا زكريا التبريزي وقرأ عليه الأدب واللغة حتى مهر في ذلك ، كان ضابطا مفتيا وكان كثير الذكر سريع الدمعة ، توفي سنة (٥٥٠) (ابن العماد ، شذرات الذهب ٤ / ١٥٥).
(٣) تصحفت في المطبوعة إلى (له جوف).
(٤) في المخطوطة (لا ينتفع).