بكونه أعظم المعجزات ، لبقائه ببقاء دعوة الإسلام ، ولكونه (١) صلىاللهعليهوسلم خاتم الأنبياء (٢) والمرسلين فالحجة بالقرآن العظيم قائمة على كلّ عصر وزمان لأنه كلام رب العالمين ، وأشرف كتبه جلّ وعلا ، فلير من عنده القرآن أنّ الله [تعالى] (٣) أنعم عليه نعمة عظيمة ، وليستحضر (٤) من أفعاله أن يكون القرآن حجة له لا عليه ؛ لأن القرآن مشتمل على طلب أمور ، والكفّ عن أمور ، وذكر أخبار قوم قامت عليهم الحجة (٥) فصاروا عبرة للمعتبرين حين زاغوا فأزاغ الله قلوبهم ، وأهلكوا لما عصوا ، وليحذر (٦) من علم حالهم أن يعصي ، فيصير مآله مآلهم ؛ فإذا استحضر صاحب القرآن علوّ شأنه بكونه ظرفا (٧) لكتاب الله تعالى ، وصدره مصحفا له انكفت نفسه عند التوفيق عن الرذائل ، وأقبلت على العمل الصالح الهائل.
وأكبر معين على ذلك حسن ترتيله وتلاوته ، وقال الله تعالى لنبيه صلىاللهعليهوسلم : (وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً) (المزمّل : ٤) وقال تعالى : (وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلاً) (الإسراء : ١٠٦) فحقّ على كل امرئ مسلم قرأ القرآن أن يرتّله ، وكمال ترتيله تفخيم ألفاظه والإبانة عن حروفه ، والإفصاح لجميعه (٨) بالتمديد له (٨) حتى يصل بكلّ ما بعده ، وأن يسكت بين النّفس والنّفس حتى يرجع إليه نفسه ، وألاّ يدغم حرفا في حرف ، لأن أقلّ ما في ذلك أن يسقط من حسناته بعضها ، وينبغي للناس أن يرغبوا في تكثير حسناتهم ؛ فهذا الذي وصفت أقل ما يجب من الترتيل.
(٩) [وقيل : أقلّ الترتيل] (٩) أن يأتي بما يبين ما يقرأ به ، وإن كان مستعجلا في قراءته ، وأكمله أن يتوقف فيها ، ما لم يخرجه إلى التمديد والتمطيط ؛ فمن أراد أن يقرأ القرآن بكمال الترتيل فليقرأه على منازله ، فإن كان يقرأ تهديدا لفظ (١٠) به لفظ المتهدّد (١١) ، وإن كان يقرأ لفظ تعظيم لفظ به على التعظيم.
وينبغي أن يشتغل قلبه في التفكر في معنى ما يلفظ بلسانه ، فيعرف من كل آية معناها ،
__________________
(١) في المخطوطة (لكونه).
(٢) في المخطوطة (النبيين).
(٣) ساقطة من المطبوعة.
(٤) في المخطوطة (ولتستحضر).
(٥) في المخطوطة (الحجة عليهم).
(٦) في المخطوطة (فليحذر).
(٧) تصحف في المطبوعة إلى (طريقا).
(٨) في المطبوعة (بالتدبر).
(٩) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.
(١٠) في المخطوطة (اللفظ).
(١١) في المخطوطة (المهدد).