وكلّ كلمة من الخطاب تتوجه عشر جهات ، للعارف من كل جهة مقام ومشاهدات : أولها الإيمان بها ، والتسليم لها ، والتوبة إليها ، والصبر عليها ، والرضا بها ، والخوف منها ، والرجاء إليها ، والشكر عليها ، والمحبة لها ، والتوكل فيها. فهذه المقامات العشر هي مقامات المتقين ، وهي منطوية في كلّ كلمة يشهدها أهل التمكين والمناجاة ، ويعرفها أهل العلم والحياة ، لأن كلام المحبوب حياة للقلوب ، لا ينذر به إلاّ حيّ ، ولا يحيا به إلا مستجيب ، كما قال تعالى : (لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا) (يس : ٧٠). وقال تعالى : (إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ) (الأنفال : ٢٤). ولا يشهد هذه العشر مشاهدات إلاّ من يتنقل في العشر المقامات المذكورة في سورة الأحزاب (الآية : ٣٥) ، أولها مقام المسلمين ، وآخرها مقام الذاكرين وبعد مقام الذكر هذه المشاهدات العشر ، فعندها لا تملّ المناجاة ، لوجود المصافاة (١) ، وعلم كيف تجلّى له تلك الصفات الإلهية في طيّ هذه الأدوات ، ولو لا (٢) استتار كنه جمال كلامه بكسوة (٢) الحروف ، لما ثبت لسماع الكلام عرش ولا ثرى ، ولا تمكّن لفهم عظيم الكلام [إلا] (٣) على حدّ فهم الخلق ، فكلّ أحد يفهم عنه بفهمه الذي قسم له ، حكمة منه.
قال بعض العلماء : في القرآن ميادين وبساتين [مقاصير] (٤) وعرائس ، وديابيج ، ورياض ؛ فالميمات ميادين القرآن ، والراءات بساتين القرآن ، والحاءات مقاصير القرآن ، والمسبّحات عرائس القرآن ، والحواميم ديابيج القرآن ، والمفصّل رياضه ، وما سوى ذلك. فإذا دخل المريد في الميادين ، وقطف من البساتين ، ودخل المقاصير وشهد العرائس ، ولبس الديابيج وتنزه في الرياض ، وسكن غرفات المقامات اقتطعه عما سواه ، وأوقفه ما يراه ، وشغله المشاهدة (٥) له عما عداه ؛ ولذلك قال النبي صلىاللهعليهوسلم : «أعربوا القرآن (٦) والتمسوا غرائبه [وغرائبه] (٧) فروضه وحدوده ، فإن القرآن [نزل] (٨) على خمسة : حلال ، وحرام ، ومحكم ، وأمثال ، ومتشابه ، فخذوا الحلال ، ودعوا الحرام ، واعملوا بالمحكم ، وآمنوا بالمتشابه ، واعتبروا بالأمثال» (٩).
__________________
(١) في المخطوطة (الصفات).
(٢) تصحفت العبارة في المخطوطة : (استثنى ركنه حال كلامه بكثرة).
(٣) ساقطة من المخطوطة.
(٤) ساقطة من المطبوعة.
(٥) في المطبوعة : (المشاهد).
(٦) تصحفت في المطبوعة إلى (اعرفوا).
(٧) ساقطة من المخطوطة.
(٨) ساقطة من المطبوعة.
(٩) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف ١٠ / ٤٥٦ كتاب فضائل القرآن ، باب ما جاء في إعراب القرآن (١٧٥٤) الحديث (٩٩٦١) إلى قوله : «والتمسوا غرائبه» وأخرجه البيهقي في شعب الإيمان عن أبي هريرة رضياللهعنه (ذكره السيوطي في جمع الجوامع ص : ١١٩)