* والقول الثاني : أن القراءة على ظهر القلب أفضل ، واختاره أبو محمد بن عبد السلام ، فقال في «أماليه» (١) : قيل القراءة في المصحف أفضل ؛ لأنه يجمع فعل الجارحتين ؛ وهما اللسان والعين ، والأجر على قدر المشقة ، وهذا باطل ؛ لأن المقصود من القراءة التدبر لقوله تعالى : (لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ) (ص : ٢٩) ؛ والعادة تشهد أن النظر في المصحف يخلّ بهذا المقصود ، فكان مرجوحا».
* والثالث : واختاره النوويّ في «الأذكار» (٢) : «إن كان القارئ من حفظه يحصل له من التدبّر والتفكر وجمع القلب أكثر مما يحصل له من المصحف فالقراءة من الحفظ أفضل ، وإن استويا فمن المصحف أفضل ، قال : وهو مراد السلف».
(مسألة) يستحب الجهر بالقراءة ؛ صحّ ذلك عن النبي صلىاللهعليهوسلم ، واستحبّ بعضهم الجهر ببعض القراءة والإسرار ببعضها ؛ لأن المسرّ قد يملّ ، فيأنس بالجهر ، والجاهر قد يكلّ فيستريح بالإسرار ؛ إلا أنّ من قرأ بالليل جهر بالأكثر ؛ وإن قرأ بالنهار أسرّ بالأكثر ؛ إلا أن يكون بالنهار في موضع لا لغو فيه ولا صخب ، ولم يكن في صلاة فيرفع صوته بالقرآن ، ثم روى بسنده عن معاذ بن جبل يرفعه : «الجاهر بالقرآن كالجاهر بالصدقة والمسرّ بالقرآن كالمسرّ بالصدقة» (٣).
نعم من قرأ والناس يصلّون فليس له أن يجهر جهرا يشغلهم به ؛ فإن النبي صلىاللهعليهوسلم خرج على أصحابه وهم يصلون في المسجد ، فقال : «يأيها الناس كلّكم يناجي ربه ، فلا يجهر بعضكم على بعض في القراءة» (٤).
__________________
(١) كتاب «الأمالي» للعز بن عبد السلام ، مخطوط يوجد منه خمس نسخ (١) نسخة المتحف البريطاني بعنوان (مسائل وأجوبة في علوم متعددة من القرآن والحديث والفقه) رقم ٧٧١٣ / ٥٧٠ (٢) نسخة المتحف البريطاني بدون عنوان رقم ٩٦٩١Add ، (٣) نسخة دار الكتب المصرية رقم (٧٧ تفسير م) عنوانها فوائد العز بن عبد السلام ، وتسمى أيضا (إعجاز القرآن) ١٦٦ ورقة ، (٤) نسخة الخزانة الألوسية في مكتبة المتحف العراقي وعنوانها (فوائد في علوم القرآن) رقم (٨٧٥٤) ٢٣٤ ص ، (٥) نسخة مكتبة كوبرللي باستنبول رقم (٤٤) ٩٣ ورقة (حياة وآثار العز بن عبد السلام ، للوهيبي ص : ١١٩).
(٢) الأذكار : ١٨٢ ، كتاب تلاوة القرآن (بتحقيق أحمد راتب حموش ، نشر دار الفكر بدمشق) كتاب تلاوة القرآن.
(٣) أخرجه الحاكم في المستدرك ١ / ٥٥٥ ، كتاب فضائل القرآن ، باب أخبار في فضائل القرآن جملة. وقال «صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه».
(٤) أخرجه من رواية أبي سعيد الخدري رضياللهعنه أحمد في المسند ٣ / ٩٤ ، وأبو داود في السنن ٢ / ٨٣ ، كتاب الصلاة (٢) ، باب رفع الصوت بالقراءة في صلاة الليل (٣١٥) ، الحديث (١٣٣١).