الله ، أيّ فإن الترجمة إبدال لفظة بلفظة تقوم مقامها ، وذلك غير ممكن بخلاف التفسير.
وما أحاله القفال من ترجمة القرآن ذكره أبو الحسين بن فارس في [كتاب] (١) «فقه العربية» أيضا فقال : «لا يقدر أحد من التراجم على أن ينقل القرآن إلى شيء من الألسن ؛ كما نقل الإنجيل عن السريانية إلى الحبشية والرومية ، وترجمت التوراة والزبور وسائر كتب الله تعالى بالعربية ؛ لأن العجم لم تتسع في الكلام اتساع العرب ؛ ألا ترى أنك لو أردت أن تنقل قوله تعالى : (وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ) (الأنفال : ٥٨) لم تستطع أن تأتي بهذه الألفاظ مؤدية عن المعنى الذي أودعته حتى تبسط مجموعها ، وتصل مقطوعها ، وتظهر مستورها ، فتقول : إن كان بينك وبين قوم هدنة وعهد ، فخفت منهم خيانة ونقضا فأعلمهم أنك قد نقضت ما شرطته لهم ، وآذنهم بالحرب ؛ لتكون أنت وهم في العلم بالنقض على استواء (٢) ، وكذلك قوله تعالى : (فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً) (الكهف : ١١)» انتهى.
فظهر من هذا أن الخلاف في جواز قراءته بالفارسية لا يتحقّق لعدم إمكان تصوّره. ورأيت في كلام بعض الأئمة (٣) المتأخرين أن المنع من الترجمة مخصوص بالتلاوة ؛ فأما ترجمته للعمل به فإن ذلك جائز للضرورة ، وينبغي أن يقتصر من ذلك على بيان المحكم (٤) منه ، والغريب المعنى بمقدار الضرورة [اليها] (٥) من التوحيد وأركان العبادات ؛ ولا يتعرض لما سوى ذلك ، ويؤمر من أراد الزيادة على ذلك بتعلم اللّسان العربيّ ؛ وهذا هو الذي يقتضيه الدليل ، ولذلك لم يكتب رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، إلى قيصر إلا بآية واحدة محكمة لمعنى واحد ؛ وهو توحيد الله والتبري من الإشراك ؛ لأن النقل من لسان إلى لسان قد تنقص (٦) الترجمة عنه كما سبق ، فإذا كان معنى المترجم عنده واحدا قلّ وقوع التقصير فيه ؛ بخلاف المعاني إذا كثرت ؛ وإنما فعل النبي صلىاللهعليهوسلم لضرورة التبليغ ؛ أو لأنّ معنى تلك الآية كان عندهم مقرّرا في كتبهم ، وإن خالفوه.
__________________
(١) ساقطة من المخطوطة وكتاب «الصاحبي في فقه اللغة» تقدم التعريف به في ٢ / ١٢ ، وانظر قوله في الكتاب ص : ١٣.
(٢) في المطبوعة (سواء) والتصويب من كتاب فقه اللغة ومن الأصل المخطوط.
(٣) في المخطوطة (أئمة).
(٤) في المخطوطة (الحكم).
(٥) ساقطة من المطبوعة.
(٦) تصحفت في المخطوطة إلى (ينقض).