.................................................................................................
______________________________________________________
إنّما هي عبارة عن انبعاث النفس والميل. وإذا لم يكن حاصلا لها قبل فلا يمكنها اختراعه واكتسابه بتصوّر المعاني في الجنان أو مجرّد النطق باللسان. ألا ترى إلى المرائي فإنّه لا يمكنه التقرّب في فعله وإن قال بلسانه أو تصوّر بجنانه اصلّي أو ادرّس قربة إلى الله تعالى. فظهر من هذا أنّه من المستحيل وقوع جزء من أجزاء العبادة من دون نيّة القربة فلا وجه لاشتراط المقارنة لأوّل جزء منها ، ثمّ الاكتفاء بالاستدامة الحكميّة كما اختاره أكثر المتأخّرين.
لا يقال : إنّ المحال هو تحقّق الفعل بغير قصده وقصد غايته فيه لا النيّة المعتبرة عند الفقهاء ، إذ هي أمر آخر يجوز تخلّفه ، بل يصعب تحقّقه ، لأنّا نقول : اللازم المتحقّق في فعله الاختياري هو كونه إطاعة وامتثالا أو تقرّباً إلى الله تعالى لا أمر آخر ، إذ لو جعله أمراً آخر بطلت عبادته ، فلا بدّ أن يتحقّق كلّ جزء من الأجزاء بذلك الغرض ويقصده بتلك الغاية أي الطاعة (الاطاعة خ ل) والقربة. وبعد اختيار ذلك الغرض يستحيل وقوع جزء من الأجزاء بلا نيّة ، فأيّ داع إلى اشتراط المقارنة واعتبار الاستدامة الحكمية دون الفعلية؟ نعم جعل النيّة هي المخطرة بالبال خاصّة كما فعله جمع من المتأخّرين يوجب اعتبار المقارنة والاستدامة الحكميّة ، لأنّه (ما جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ) فإمّا أن يشتغل بإحداث الأجزاء من الحركات والسكنات وغيرها وإمّا أن يتوجّه إلى إحضار الصور بالبال وهما لا يجتمعان معاً غالباً عادة ، فلا جرم اختاروا المقارنة والاستدامة الحكمية ، لأنّ النيّة علّة غائيّة ولأنّ الباء في قوله (١) صلىاللهعليهوآله : «إنّما الأعمال بالنيّات» للتلبس كما هو ظاهر ولأنّ قوله تعالى (٢) : (مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) حال مبيّنة هيئة الفاعل ، فحيث لا يجتمعان غالباً عادة ولا معنى للتأخّر لكونه علّة غائيّة فلا بدّ من التقدّم والاتصال بأوّل جزء ويسمّى هذا مقارنة. وأمّا اعتبار الاستدامة الحكميّة فلمّا عرفت من استحالة الفعليّة عادة مع كون النيّة شرطاً لمجموع العبادة والشرط
__________________
(١) عوالي اللآلي : ج ١ ص ٣٨٠ ح ٢.
(٢) سورة البيّنة : آية ٥.