وقد بلغ سليمان (ع) من القوة والسلطة شأنا بعيدا ، فغفل أو تغافل حدود سلطانه ـ وهذا هو شأن الأنبياء والصالحين ـ فهم كلما زاد ايمانهم زاد تواضعهم لله ، ولم يأبه سليمان (ع) بالجوانب المادية للملك ليخرجه عن توازنه وعبادته لله ـ كما هو شأن سائر الملوك ـ بل لم يكن الملك بالنسبة اليه وسيلة للتكبر والاستعلاء ، بل وسيلة لإقامة العدالة على الأرض ، فقد كان يقضي النهار صائما والليل قائما متعبدا لله سبحانه ، ولم يتذكر (ع) مدى سلطانه الى ان سمع خطاب النملة مما أثّر فيه ، فاندفع نحو ربه شاكرا له على نعمه المتوالية ، وهذا يؤكد حقيقة هامة وهي : انعكاس ما يحدث للإنسان على العوالم المحيطة به ، فالعدالة تشمل الإنسان والطبيعة من حوله ، وهكذا الظلم. وقد تعجب سليمان (ع) من خطاب النملة! فكيف به وهو العبد الضعيف ان تبلغ قوته حدا يخشاه حتى النمل! لذلك اندفع نحو الشكر لله ، خشية ان يكون شعوره بالقوة سببا للكفران بالنعم والطغيان. لذلك بادر طالبا من الله التوفيق الى شكره ، ليس فقط شكرا نفسيا ولفظيا بل وعمليا أيضا ، وذلك بأن يستخدم ما وهبه الله من القوة والمنعة والملك في سبيل عمل صالح يرضيه تعالى ، فليس كل عمل صالح بذاته يرضي الله ، فلو انقطع شخص لله بالعبادة صياما وصلاة ولكنه انعزل عن الناس والكدّ على من يعولهم ، فان هذا العمل لا يرضي الله وان كانت الصلاة في ذاتها عملا صالحا.
كما جرت لسليمان (ع) حادثة أخرى تكشف لنا عن ملكه وطريقته في الحكم ، حينما غاب الهدهد فظن في بادئ الأمر انه خالف قواعد الانضباط ، فهدّده وتوعّده بالعذاب حتى يصير عبرة لسائر الجنود ، فلا يفكرون في مخالفة النظام فتعمّ الفوضى في الجيش ، وكان من عادة سليمان (ع) نتف ريش الطائر المخالف والمتخلف ، الا ان الهدهد فاجأ سليمان (ع) حين نقل له خبرا مفاده : انه رأى مملكة سبأ في بلاد اليمن ، ولم يكن لدى سليمان علم ظاهر بها ، لأنه كان يعيش في