نفعه وضره ، فعند ما نعبد الله فلأننا نجد فيه مصدر العظمة والقوة ، وإنّه حسبنا الذي نأنس إليه ، وفي الوقت ذاته يجب أن نخشاه لأنّه شديد العقاب والانتقام ، ويمكن أن يصل إلينا من عنده عذاب عظيم.
وإنّ من طبيعة الإنسان إبعاد الحقائق الكبرى عن ذهنه ، فكما أنه لا يستطيع التركيز بنظره ولفترة طويلة في قرص الشمس كذلك لا يستطيع أن يركّز فكره وعقله في الحقائق الكبرى كالتفكير في الله أو الموت أو القيامة ، وعند ما يجلس الإنسان في مجالس الذكر فيستمع إلى هذه الحقائق أو يقرأ كتابا يذكّره بها فإنّه يخشع قلبه ، ويتذكّر القيامة ، ولكنّه لا يبقى على هذا الحال طويلا ، فبعد فترة تجده وقد أنساه الشيطان تلك الحقائق وعاد إلى الغفلة مرة أخرى ، وهكذا يبقى الإنسان في جدل مع نفسه ، فتارة يتذكر الحقيقة وتارة يبتعد عنها ، ولذلك سمّي مكان الصلاة محرابا (بينما المحراب هو موقع الحرب) لأنّه يبقى في صراع باطن مع الأهواء والشيطان ، ويشبه في مسيره إلى معرفة الله الطائرة حين تحلّق في السماء ، فبمجرد أن تعطب المحركات تهبط وربما تتحطم ، وهكذا يسقط البشر في وحل الرذيلة والشقاء حين يغفل عن الله والحق.
والآخرة باعتبارها مستقبلا وليس حاضرا ، ولكونها مرحلة أخرى من حياة الإنسان ، فإنّ علمه يصطدم بجدارها ، كما يجتمع الماء خلف السد ، وهكذا يتجمع علم البشر خلف هذا الجدار فيدرك الواحد الآخر ، ولأنّ أمامه حواجز من الشك والجحود والكفر بالآخرة فإنّ علمه يتوقّف عند حدود الدنيا ، أما المؤمن فإنّ علمه ينفذ من الدنيا إلى الآخرة ، ولعلّنا نفهم حواجز الوصول إلى الحقائق من خلال التدبر في نهايات الآيات ، يقول تعالى في الآية (٦٠) : (بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ) وفي الآية (٦١) : (بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ) وفي الآية (٦٢) : (قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ) وفي الآية (٦٤) : (قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) وفي الآية (٦٦) : (بَلِ ادَّارَكَ