يتآمر فرعون وملأه بقتله ، فيبعث الله اليه رجلا مؤمنا ليخبره بذلك ، ويهيئ له الرب أمر الهجرة الى مدين ، ويقدّر هناك من يستقبله.
هكذا يعلم حملة رسالات رب ان الله معهم ، وان هناك حوادث خفية تجري رغم الطغاة لمصلحة الرساليين فلا يهنوا ولا يحزنوا.
ب ـ ولا تعني الألطاف الخفية لربنا ان ينام الرساليون على حرير الاماني ، بل عليهم ان يكونوا حذرين ، وان يتعالوا على الطغاة بذكاء أحدّ ، وانضباط أشدّ ، وتضحيات سخية. كيف؟
يتلو علينا الرب في سورة القصص ـ التي نسلتهم منها دروسا عظيمة في أساليب الحركة الرسالية ـ قصة زوج فرعون ، ومؤمن آله فرعون ، اللذين كانا في الظاهر في السلطة ، ويعملون في الباطن لصالح الرسالة ، كما يبيّن كيف كانت الحركة حذرة ، حيث ان أخت موسى تابعت بحذر شديد تابوت أخيها ، (ولعلها لصغر سنها أو لأنها امرأة بكر ، لم تكن تثير انتباه أحد).
اما موسى (ع) فقد دخل المدينة على حين غفلة من أهلها عملا بالتقاة ، وأذاع غويّ من بني إسرائيل السر ، وورّط الحركة كلها ، مما يحذرنا عن مثل ذلك ، ثم يبين القرآن كيف كان موسى مترقّبا حين خروجه من المدينة ، وكيف اختار مدين في خطة مرنه ، لأنه كان يدعو الله أبدا ليهديه سواء السبيل.
ونقرأ في موضع آخر من السورة آية (٥٤) ثناء القرآن على أهل الصبر والتقية ، وهم البقية المؤمنة من أهل الكتاب ، الذين اتسموا بصفات الصبر ، ودرء السيئة بالحسنة ، والإنفاق ، والإعراض عن لغو الجاهلين وجدلياتهم ، وهذه الصفات هي برامج أصحاب الرسالة في عصر التقية والعمل السري.