[٨٣] لقد تجلت الحقائق لقلب إبراهيم (ع) حيث سلم لرب العالمين ، ففاضت يقينا وسكينة ، ونطقت بتطلعات سامية من وحي تلك الحقائق ، فمن آمن برب العالمين ، وعرف أنه الخالق الهادي ، والمطعم الساقي ، والشافي ، والمحي المميت ، والغافر للذنوب فلا يملك نفسه أن يتضرع اليه ، ويطلب حاجاته.
وتطلعات الإنسان كبيرة ، لأن الله خلق الإنسان في أحسن تقويم ، وأكرمه ، وفضلّه ، وأودع في نفسه روح النمو والتسامي ، إلّا أن عبادة الأصنام تكبت النفس وتذلها وتميت تطلعاتها ، أما إبراهيم ـ عليه السّلام ـ الذي تحرر من هذه العبادة فقد انفتحت قريحته بالدعاء ، وأعظم به وأعظم بمن دعا وأعظم بما دعا ، إذ قال :
(رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً)
هذا طلب عظيم ان تسأل الله ان يجعلك خليفته في الأرض ، ويبدو أن الحكم هنا النبوة أو العلم ، ومما يدعو المؤمنون به قولهم :
«رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَذُرِّيَّاتِنا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً». (٥)
(وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ)
وأكرم الصالحين هم الأنبياء ، ويبدو أن إبراهيم (ع) طلب بذلك الاستقامة على الطريقة حتى النهاية ليلتحق بالصالحين ، وذلك لعلمه أن الأمور بخواتيمها ، وعلى الإنسان ان يوطّن نفسه لمقاومة الضغوط حتى يحظى بعاقبة حسنى.
[٨٤] قد ينتهي الإنسان ، ويمحى أثره ، وينسى ذكره إلّا أنّ النفس السويّة تتطلع الى بقاء ذكره الحسن من بعده ، كذلك قال إبراهيم :
__________________
(٥) الفرقان / (٧٤).