وطويت عنها كشحاً (١) ، وطفقت أرتأي بين أن أصول بيد جذّاء (٢) ، أو أصبر على طخية عمياء (٣) ، يهرم فيها الكبير ، ويشيب فيها الصغير ، ويكدح فيها مؤمن حتى يلقى ربَّه ، فرأيت أنّ الصبر على هاتا أحجى ، فصبرت وفي العين قذى ، وفي الحلق شجى ، أرى تراثي نهباً (٤) ، حتى مضى الأوَّل لسبيله فأدلى بها إلى ابن الخطاب بعده ، ثم تمثّل بقول الأعشى :
شتّان ما يومي على كورها |
|
ويوم حيّان أخي جابر |
فيا عجباً! بينا هو يستقيلها في حياته (٥) إذ عقدها لآخر بعد وفاته ، لشدّ ما تشطّرا ضرعيها (٦) ، فصيّرها في حوزة خشناء يغلظ كلمها ويخشن مسُّها .. إلى أن يقول عليهالسلام : فصبرت على طول المدّة وشدّة المحنة ، حتى إذا مضى لسبيله جعلها في جماعة زعم أنّي أحدهم ، فيالله وللشورى! متى اعترض الرّيب فيَّ مع الأول منهم حتى صرت أقرن إلى هذه النظائر ، لكنّي أسففت إذ أسفُّوا ، وطرت إذ طاروا ، فصغى رجل منهم لضغنه (٧) ، ومال الآخر لصهره (٨) ، مع هن وهن (٩) ، إلى أن قام ثالث القوم نافجاً حضنيه بين نثيله ومعتلفه .. (١٠).
__________________
١ ـ مال عن الخلافة ، وهو مثل لمن جاع ، فمن جاع طوى كشحه ، ومن شبع فقد ملأه.
٢ ـ الجذّاء : المقطوعة ، ومراده عليهالسلام هنا قلّة الناصر والمعين.
٣ ـ الطخية : الظلمة ، ونسبة العمى إليها مجاز عقليٌّ ، وهو تأكيد لظلام الحال واسودادها.
٤ ـ وهذا تأكيد منه عليهالسلام بأنّ الخلافة حق ثابت له.
٥ ـ إشارة لقول أبي بكر : أقيلوني فلست بخيركم.
٦ ـ وهي إشارة منه عليهالسلام إلى تقسيم الخلافة بين أبي بكر وعمر.
٧ ـ يشير عليهالسلام إلى سعد بن أبي وقاص الذي صغى إلى ضغنه وهو عبد الرحمن بن عوف.
٨ ـ يشير عليهالسلام إلى عبد الرحمن بن عوف الذي مال إلى صهره وهو عثمان بن عفان.
٩ ـ إشارة منه عليهالسلام إلى أغراض أخر يكره ذكرها.
١٠ ـ يشير عليهالسلام إلى عثمان وكان ثالثاً بعد انضمام كل من طلحة والزبير وسعد إلى صاحبه ، ونافجاً حضنيه :