الأمم ، وكيف أهلكهم بتكذيبهم رسله ومخالفتهم لهم قال : (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِها أَوْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها) (الحج : ٤٦).
قال ابن قتيبة (١) : وهل شيء أبلغ في العظمة والعزّة من هذه الآية! لأن الله تعالى أراد : أفلم يسيروا في الأرض فينظروا إلى آثار قوم أهلكهم الله بالكفر والعتوّ فيروا بيوتا خاوية قد سقطت على عروشها ، وبئرا يشرب أهلها فيها (٢) قد عطلت ، وقصرا بناه ملكه بالشّيد خلا (٣) من السكن ، وتداعى بالخراب ، فيتعظوا بذلك ، ويخافوا من عقوبة الله ، مثل الذي نزل بهم! ثم ذكر (٤) تعالى أن أبصارهم الظاهرة لم تعم عن النظر والرؤية وإن عميت قلوبهم التي في صدورهم. ٢ / ٤٢٩
ـ وقيل : لما كانت (٥) [العين قد يعنى بها القلب ، في نحو قوله تعالى : (الَّذِينَ كانَتْ] (٥) أَعْيُنُهُمْ فِي غِطاءٍ عَنْ ذِكْرِي) (الكهف : ١٠١) جاز أن يعنى بالقلب العين ، فقيد القلوب بذكر محلّها رفعا لتوهم إرادة غيرها.
ـ وقيل : ذكر محل العمى الحقيقيّ الذي هو أولى باسم العمى من عمى البصر ، كما قال النبي صلىاللهعليهوسلم : «ليس الشديد بالصّرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب» (٦) ، أي هذا أولى [١٤٥ / ب] بأن يكون شديدا منه ، فعمى القلب هو الحقيقيّ لا عمى البصر ، فأعمى القلب أولى أن يكون أعمى من أعمى العين ، فنبّه بقوله : ([الَّتِي] (٧) فِي الصُّدُورِ) (الحج : ٤٦) على أن العمى الباطن في العضو الذي عليه الصدر ، لا العمى الظاهر في العين التي (٨) محلّها الوجه.
__________________
(١) هو عبد الله بن مسلم ، أبو محمد ابن قتيبة ، تقدم التعريف به في ١ / ١٦٠.
(٢) في المخطوطة (منها).
(٣) في المخطوطة (قد خلت) بدل (خلا).
(٤) في المخطوطة (دل).
(٥) ما بين الحاصرتين ليس في المخطوطة.
(٦) الحديث متفق عليه من رواية أبي هريرة رضياللهعنه ، أخرجه البخاري في الصحيح ١٠ / ٥١٨ ، كتاب الأدب (٧٨) ، باب الحذر من الغضب ... (٧٦) ، الحديث (٦١١٤). وأخرجه مسلم في الصحيح ٤ / ٢٠١٤ ، كتاب البر ... (٤٥) ، باب فضل من يملك نفسه ... (٣٠) ، الحديث (١٠٧ / ٣٦٠٩).
(٧) ليست في المخطوطة.
(٨) في المخطوطة (الذي).