قصة يوسف مساقا واحدا ، إشارة إلى عجز العرب ، كأنّ النبي صلىاللهعليهوسلم قال لهم : إن كان من تلقاء نفسي تصديره على الفصاحة ، فافعلوا في قصة يوسف ما فعلت في قصص سائر الأنبياء. ٣ / ٣٠
السؤال الثاني : أنّه سبحانه وتعالى ذكر قصة قوم نوح ، وهود ، وصالح ، وشعيب ، ولوط ، وموسى ، في سورة الأعراف وهود والشعراء ، ولم يذكر معهم قصة إبراهيم ، وإنّما ذكرها في سورة الأنبياء ، ومريم ، والعنكبوت ، والصافات.
والسرّ في ذلك أن تلك السّور الأول ذكر الله فيها نصر رسله بإهلاك قومهم ، ونجاء الرسل وأتباعهم ، وهذه السور لم يقتصر فيها على ذكر من أهلك من الأمم ؛ بل كان المقصود ذكر الأنبياء وإن لم يذكر قومهم ؛ ولهذا سميت سورة الأنبياء ؛ فذكر فيها إكرامه للأنبياء ؛ وبدأ [فيها] (١) بقصة إبراهيم ، إذ كان المقصود ذكر كرامته الأنبياء قبل محمد ، وإبراهيم أكرمهم على الله ، وهو خير البرية ، وهو أب أكثرهم ، وليس هو أب نوح ولوط ؛ لكن لوط من أتباعه ، وأيوب من ذريته ، بدليل قوله تعالى في سورة الأنعام : (وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ) (الآية : ٨٤).
وأما سورة العنكبوت ؛ فإنه سبحانه وتعالى ذكر فيها امتحانه للمؤمنين ، ونصره لهم ، وحاجتهم إلى الجهاد ؛ وذكر فيها حسن العاقبة لمن صبر ، وعاقبة من كذب الرسل ؛ فذكر قصة إبراهيم ؛ لأنها من النّمط الأول.
وكذلك في سورة الصافات قال [١٦٦ / ب] فيها : (وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ* وَلَقَدْ أَرْسَلْنا فِيهِمْ مُنْذِرِينَ* فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ) (الآيات : ٧١ ـ ٧٢ ـ ٧٣) ؛ وهذا يقتضي أنها عاقبة رديئة ؛ إما بكونهم غلبوا وذلّوا ؛ وإما بكونهم أهلكوا ، ولهذا ذكر قصة إلياس دون غيرها ولم يذكر إهلاك قومه ، بل قال : (فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ) (الصافات : ١٢٧).
وقد روي أن الله رفع إلياس ؛ وهذا يقتضي عذابهم في الآخرة ؛ فإن إلياس لم يقم بينهم ، وإلياس المعروف بعد موسى من بني إسرائيل ، وبعد موسى لم يهلك المكذبين بعذاب الاستئصال ؛ وبعد نوح لم يهلك جميع النوع ، وقد بعث الله في كلّ أمة نذيرا ، والله سبحانه لم يذكر عن قوم إبراهيم أنهم أهلكوا كما ذكر ذلك عن غيرهم ؛ بل ذكر أنّهم ألقوه في النار فجعلها بردا وسلاما ، وفي هذا ظهور برهانه وآياته ؛ حيث أذلّهم ونصره ؛ (فَأَرادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْناهُمُ الْأَسْفَلِينَ) (الصافات : ٩٨) وهذا من جنس المجاهد الذي [يعرض عدوّه ، ١٣ / ٣١
__________________
(١) ما بين الحاصرتين ساقط من المطبوعة.