وقوله : (سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ) (الأنعام : ١٤٠) والسّفه لا يكون إلا عن جهل. وقيل (بِغَيْرِ عِلْمٍ) بمقدار قبحه. وقوله : (وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِ) (البقرة : ٦١) ولا يكون قتلهم إلا كذلك لأن (١) معناه «بغير الحق» في اعتقادهم ؛ لأن التصريح بصفة فعلهم القبيح أبلغ في ذمّهم وإن كانت تلك الصفة لازمة للفعل ، كما في عكسه : (قالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِ) (الأنبياء : ١١٢) لزيادة معنى في التصريح بالصفة. وقال بعضهم : ولأن قتل النبيّ قد يكون بحق ، كقتل إبراهيم [عليهالسلام] (٢) ولده ـ ولو وجد ـ لكان بحق. وقال الزمخشريّ (٣) : «إنما قيّده لأنهم لم يقتلوا ولم يفسدوا في الأرض ، وإلا استوجبوا القتل بسبب كونه شبهة. وإنما نصحوهم ودعوهم إلى ما ينفعهم فقتلوهم ، ولو أنصفوا من أنفسهم لم يذكروا وجها يوجب عندهم القتل».
وكقوله تعالى (٤) : (فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِ) (البقرة : ١٩٧) (٥) [مع أن ذلك منهيّ عنه في غير الحج أيضا ، لكن خصص بالذكر هنا لتأكيد الأمر وخطره في الحج] (٥) ، وأنه لو قدّر جواز مثل ذلك في غير الحج لم يجز في الحج ، كيف وهو لا يجوز مطلقا! وقوله تعالى : (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) (البقرة : ١٩٦) ولم يذكر مثل ذلك في قوله [تعالى] (٦) : (ثُمَّ أَتِمُّوا (٧) الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ) (البقرة : ١٨٧) لأن الرياء يقع في الحج كثيرا ، فاعتنى فيه بالأمر بالإخلاص.
وقوله تعالى : (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللهِ) (القصص : ٥٠) واتباع الهوى لا يكون إلا كذلك. وقيل : بل يكون الهوى في الحق ، فلا يكون من هذا النوع. وقوله تعالى : (وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) (المائدة : ٥٠) فإن حكمه تعالى حسن لمن يوقن ولمن لا يوقن ، لكن لما كان القصد ظهور حسنه والاطلاع عليه وصفه بذلك ؛ لأن الموقن هو الذي يطلع على ذلك دون الجاهل.
__________________
(١) في المخطوطة (إن).
(٢) ليست في المخطوطة.
(٣) الكشاف ١ / ٧٢.
(٤) في المخطوطة (وقوله) بدل (وكقوله تعالى).
(٥) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.
(٦) ليست في المخطوطة.
(٧) تصحفت في المخطوطة إلى (وأتمّوا).