هذا إن جعلنا الاستثناء متصلا ، فإن كان منقطعا ، فالمعنى : «لكن الموتة الأولى قد ذاقوها».
ويحتمل على الاتصال أن يكون المعنى فيها ، أي في مقدّماتها ، لأن الذي يرى مقامه في الجنة عند الجنة عند موته ينزّل منزلة من هو فيها ، بتأويل الذوق على معنى المستحيل.
فهذه ثلاثة أوجه.
القسم الموفي العشرين
الاستثناء والاستدراك
٣ / ٤٩ ووجه التأكيد فيه أنه ثنّى ذكره مرتين ، مرة في الجملة ومرة في التفصيل. فإذا قلت : قام القوم إلا زيدا ، فكأنه كان في جملتهم ، ثم خرج منهم ؛ كقوله تعالى : (فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ* إِلاَّ إِبْلِيسَ) (الحجر : ٣٠ ـ ٣١) ؛ فإنّ فيه معنى زائدا على الاستثناء ، هو تعظيم أمر الكبيرة التي أتى بها إبليس ، من كونه خرق إجماع الملائكة ، وفارق جميع الملأ الأعلى بخروجه مما دخلوا فيه من السجود لآدم ؛ وهو بمثابة قولك : أمر الملك بكذا فأطاع أمره جميع الناس ، من أمير ووزير إلا فلانا ، فإن الإخبار عن معصية الملك بهذه الصيغة ، أبلغ من قولك : [أمر الملك] (١) فعصاه فلان.
وفي ضمن ذلك [١٧٠ / أ] وصف الله سبحانه بالعدل فيما ضربه على إبليس من خزي الدنيا ، وختم عليه من عذاب الآخرة.
ومنه قوله تعالى : (فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عاماً) (العنكبوت : ١٤) فإنّ في الإخبار عن المدة بهذه الصيغة (٢) [تهويلا على السامع ؛ ليشهد عذر نوح عليهالسلام في الدعاء على قومه. وحكمة الإخبار عن المدة بهذه الصيغة] (٢) تعظيم للمدّة ؛ ليكون أوّل ما يباشر السمع ذكر «الألف» واختصار اللفظ ؛ فإنّ لفظ القرآن أخصر من «تسعمائة وخمسين عاما» ؛ ولأن لفظ القرآن يفيد حصر العدد المذكور ولا يحتمل الزيادة عليه ولا النقص.
ومنه قوله تعالى : (فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ* خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلاَّ ما شاءَ رَبُّكَ) (هود : ١٠٦ ـ ١٠٧) فإنه سبحانه لما علم أن
__________________
(١) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.
(٢) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.