القسم الحادي والعشرون
المبالغة
٣ / ٥٢ وهي أن يكون للشيء صفة ثابتة ؛ فتزيد في التعريف بمقدار شدته أو ضعفه ؛ فيدّعى له من الزيادة في تلك الصفة ما يستبعد عند السماع (١) ؛ أو يحيل عقله ثبوته.
ومن أحسنها قوله تعالى : (أَوْ كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحابٌ ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ) (النور : ٤٠) ، وهي ظلمة البحر وظلمة الموج فوقه وظلمة السحاب فوق الموج.
وقوله تعالى : (بَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ) (الأحزاب : ١٠) ، أي كادت تبلغ ؛ لأن القلب إذا زال عن موضعه مات صاحبه.
وقيل : هو حقيقة ، وإن الخوف والروع يوجب للخائف أن تنفخ رئته ، ولا يبعد أن ينهض بالقلب نحو الحنجرة. ذكره الفراء (٢) وغيره.
أو أنها لما اتصل وجيبها واضطرابها بلغت الحناجر.
وردّ ابن الأنباري (٣) تقدير «كادت» فإنّ «كاد» لا تضمر.
وقوله تعالى : (وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ) (إبراهيم : ٤٦).
وقوله تعالى : (تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا* أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً) (مريم : ٩٠ ـ ٩١).
ومنه المبالغة في الوصف بطريق التشبيه ؛ كقوله تعالى : (إِنَّها تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ* كَأَنَّهُ جِمالَتٌ صُفْرٌ) (المرسلات : ٣٢ ـ ٣٣).
وقد يخرج الكلام مخرج الإخبار عن الأعظم الأكبر للمبالغة وهو مجاز ، كقوله تعالى : ٣ / ٥٣ (وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا) (الفجر : ٢٢) ، فجعل مجيء جلائل آياته ، مجيئا له سبحانه ، على المبالغة.
__________________
(١) في المخطوطة «السامع».
(٢) هو يحيى بن زياد بن عبد الله الدّيلمي ، أبو زكريا الفراء تقدمت ترجمته في ١ / ١٥٩.
(٣) هو محمد بن القاسم بن بشار ، أبو بكر ابن الانباري النحوي اللغوي. تقدمت ترجمته في ١ / ٢٩٩.