وقال ابن الخبّاز (١) : «الصواب أن يكون التقدير «فلم نرفعه فلم نشأ» ، لأنّ نفي اللازم يوجب نفي الملزوم ، فوجود (٢) الملزوم يوجب وجود اللازم ؛ فيلزم من وجود المشيئة وجود الرفع ، ومن نفى الرفع نفى المشيئة ؛ وأما نفي الملزوم فلا يوجب نفي اللازم ، ولا وجود اللازم وجود الملزوم». انتهى.
ويؤيده قوله تعالى : (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلاَّ اللهُ لَفَسَدَتا) (الأنبياء : ٢٢) ، فإن المقصود [منه] (٣) انتفاء وجود الآلهة لانتفاء لازمها وهو الفساد.
ويمكن توجيه كلام النحويين بأنهم جعلوا الأوّل شرطا للثاني ، لأنّهم عدوّا «لو» من حروف الشرط ، وانتفاء الشرط يوجب انتفاء المشروط. وقد يكون الشرط مساويا للمشروط ؛ بحيث يلزم من وجوده وجود المشروط ، ومن عدمه عدمه. والمقصود في الآية تعليل عدم الرفع بعدم المشيئة لا العكس.
٣ / ١٧٠ وأوضح منه قوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَلكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) [١٩٢ / ب] (الأعراف : ٩٦) ، جعل انتفاء الملزوم سببا لانتفاء اللازم ؛ لأن «كذبوا» ملزوم عدم الإيمان والتقوى ؛ فأخذهم (٤) بذلك ملزوم عدم فتح بركات السماء والأرض عليهم. والفاء في قوله (فَأَخَذْناهُمْ) للسببية ، وجعل التكذيب سببا لأخذهم بكفرهم ؛ ولعلّ ذلك يختلف باختلاف المواد ووقوع الأفراد ، مع أن القول ما قاله ابن الخباز. وأما ما جاء على خلافه فذلك من خصوص المادة ، وذلك لا يقدح في القضية الكلية ؛ ألا ترى أنا نقول : الموجبة الكلية لا تنعكس كلية [مع أنها تنعكس كليّة] (٥) في بعض المواضع ، كقولنا : كل إنسان ناطق ، ولا يعدّ ذلك مبطلا للقاعدة.
__________________
(١) هو أحمد بن الحسين شمس الدين ابن الخباز تقدم التعريف في ٣ / ١٤.
(٢) في المخطوطة (ووجود).
(٣) ليست في المطبوعة.
(٤) في المخطوطة (وفأخذناهم).
(٥) العبارة بين الحاصرتين ليست في المخطوطة.