علي الفارسيّ : إذا ذكرت صفات في معرض المدح والذم ، فالأحسن أن يخالف في إعرابها ؛ لأن المقام يقتضي الإطناب ، فإذا خولف في الإعراب كان المقصود أكمل لأنّ المعاني عند الاختلاف تتنوع (١) وتتفتن ، وعند الإيجاز تكون نوعا واحدا.
ومثله (٢) في المدح قوله : (وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكاةَ) (النساء : ١٦٢) فانتصب (الْمُقِيمِينَ) على القطع ، وهو من صفة المرفوع الذي هو (الْمُؤْمِنُونَ). وقيل : بل انتصب بالعطف على قوله : (بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ) (النساء : ١٦٢) وهو مجرور ، وكأنه قال : «يؤمنون بالذي أنزل إليك وبالمقيمين» أي بإجابة المقيمين ، والأوّل أولى ، لأن الموضع للتفخم فالأليق به إضمار الفعل ، حتى يكون الكلام جملة لا مفردا. ٢ / ٤٤٧
ومثله قوله تعالى : (وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ) إلى قوله : (وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ) (البقرة : ١٧٧) نصّ عليه سيبويه (٣). وجوّز السّيرافي (٤) أن يحمل على قوله : (وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى) (البقرة : ١٧٧) إلى أن قال : (وَالصَّابِرِينَ) وردّه الصفّار (٥) بأنه لا يعطف على الموصول قبل تمام الصلة (٦) ، وإن كان (وَالصَّابِرِينَ) معطوفا على (وَالسَّائِلِينَ) فهو من صلة «من» فكذلك المعطوف عليه (٧).
والصواب أن يكون المعطوف من صلة «من» (٨) ، وتكون الصلة كملت (٩) عند قوله تعالى : (وَآتَى الزَّكاةَ) (البقرة : ١٧٧) ثم أخذ في القطع. ومثاله في الذم : (وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ) (المسد : ٤) بنصب (حَمَّالَةَ). ٢ / ٤٤٨
__________________
(١) تصحفت في المخطوطة إلى (تينون).
(٢) في المخطوطة (ومثاله).
(٣) انظر الكتاب ٢ / ٦٣ (بتحقيق عبد السلام محمد هارون) ، باب ما ينتصب على التعظيم والمدح.
(٤) هو الحسن بن عبد الله بن المرزبان ، أبو سعيد السيرافي تقدم التعريف به في ١ / ٤١٤.
(٥) هو القاسم بن علي البطليوسي الصفّار ، تقدم التعريف به في ٢ / ٤٥١.
(٦) في المخطوطة (صلته).
(٧) هذه المسألة وردت في إعراب القرآن للنحاس ١ / ٢٨١ ، يردّ فيها النحاس على الكسائي.
(٨) تصحفت في المخطوطة إلى (شيء).
(٩) في المخطوطة (كما كانت).