تنبيه
ما ذكرناه من أن تقديم المعمول يفيد الاختصاص ، فهمه الشيخ أبو حيان في كلام الزمخشري وغيره ، والذي عليه محققو البيانيين أن ذلك غالب لا لازم ، بدليل قوله تعالى : (كُلًّا هَدَيْنا وَنُوحاً هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ) (الأنعام : ٨٤) ، وقوله : (أَفِي اللهِ شَكٌ) (إبراهيم : (١٠) ، إن جعلنا ما بعد الظرف مبتدأ.
وقد ردّ صاحب (١) «الفلك الدائر» القاعدة بالآية الأولى ، وكذلك ابن الحاجب (٢) والشيخ ٣ / ٢٣٨ أبو حيان ، وخالفوا البيانيين في ذلك ، وأنت إذا علمت أنهم ذكروا في ذلك قيد الغلبة سهل الأمر. نعم له شرطان : أحدهما : ألا (٣) يكون المعمول مقدما بالوضع ؛ فإن ذلك لا يسمى تقديما حقيقة ، كأسماء الاستفهام ، وكالمبتدإ عند من يجعله معمولا لخبره.
والثاني : ألاّ يكون التقديم لمصلحة التركيب ، مثل : (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ) (فصلت : ١٧) على قراءة النصب (٤).
وقد اجتمع الاختصاص وعدمه في آية واحدة ؛ وهي قوله [تعالى] : (أَغَيْرَ اللهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ* بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ) [٢٠٦ / أ](فَيَكْشِفُ) (الأنعام : ٤٠ ـ ٤١) ، التقديم في الأول قطعا ليس للاختصاص ، بخلاف الثاني.
الفصل الثاني
في أنواعه
وهي إما أن يقدّم والمعنى عليه ، أو يقدّم وهو في المعنى مؤخر ، أو بالعكس.
__________________
(١) هو عبد الحميد بن هبة الله ، ابن أبي الحديد الشيعي المعتزلي تقدم ذكره في ٢ / ٢٥١. وكتابه «الفلك الدائر على المثل السائر» وهو نقد لكتاب المثل السائر لضياء الدين ابن الأثير الجزري ، طبع في بومبايي بالهند عام ١٣٠٩ ه / ١٨٩١ م ، وطبع بتحقيق د. بن بدوي طبانة وأحمد الحوفي في الرياض ـ بدار الرفاعي ـ عام ١٤٠٤ ه / ١٩٨٤ م (معجم سركيس : ٣٠ أخبار التراث ١٦ / ٢٦).
(٢) هو أبو عمرو عثمان بن عمر بن يونس ابن الحاجب تقدم التعريف به في ١ / ٤٦٦.
(٣) في المخطوطة (أن).
(٤) بدون تنوين ، ممنوعا من الصرف وهي قراءة الحسن ، (البحر المحيط : ٧ / ٤٩١).