بالعكس قول عقبة بن أبي معيط (١) لأميّة بن خلف (٢) لما أجمع القعود عن وقعة بدر ؛ لأنه كان شيخا فجاء بمجمرة ، فقال : يا أبا عليّ استجمر ، فإنما أنت من النساء ؛ فقال : قبحك الله وقبح ما جئت به! ثم تجهّز (٣).
ونازع بعضهم في ذلك من وجه آخر ، فقال : يحتمل ألا تكون «من» للتبعيض بل لابتداء الغاية ، أي كانت ناشئة من القوم القانتين ، لأنها من أعقاب هارون أخي موسى عليهالسلام.
الثاني
تغليب المتكلم على المخاطب والمخاطب على الغائب
فيقال : أنا وزيد (٤) فعلنا ، وأنت وزيد تفعلان. ومنه قوله تعالى : (بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ) (النمل : ٥٥) ، بتاء الخطاب ، غلّب جانب «أنتم» على جانب «قوم» ، «والقياس أن يجيء بالياء ؛ لأنه وصف (٥) القوم ، وقوم اسم غيبة ، ولكن حسن آخر الخطاب ، وصفا ل «قوم» لوقوعه خبرا عن ضمير المخاطبين». قاله ابن الشجري (٦).
ولو قيل : إنه حال ل (فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً) (النمل : ٥٢) ؛ لأنّ في ضمير الخطاب معنى الإشارة لملازمته لها ، أو لمعناها لكان متجها وإن لم تساعده الصناعة ، لكن يبعده أن المراد وصفهم بجهل (٧) مستمر ، لا مخصوص بحال الخطاب ، ولم يقل «جاهلون» ، إيذانا بأنهم يتجددون عند كل مصيبة لطلب آيات جهلهم.
__________________
(١) هو عدو الله أبو الوليد عقبة بن أبي معيط ، وكان من أشد الناس أذى لرسول الله صلىاللهعليهوسلم وعداوة له وللمسلمين ، وأسر عقبة ببدر فقتل صبرا وصلب ، وهو أول مصلوب في الإسلام (ابن الأثير الكامل في التاريخ ٢ / ٥٠).
(٢) تقدم التعريف به في ١ / ٢٥١.
(٣) انظر الخبر في الكامل في التاريخ ٢ / ٨١ ـ ٨٢ ذكر غزوة بدر الكبرى.
(٤) في المخطوطة (أنا وأنت).
(٥) في المخطوطة (صفة لقوم).
(٦) هو هبة الله بن علي بن محمد العلوي تقدم التعريف به في ٢ / ٤٧٥ ، وانظر قوله في الأمالي الشجرية ١ / ٢٧ ـ ٢٨ المجلس الرابع باب يشتمل على تفسير أبيات إعرابا ومعنى. وانظر أيضا مفتاح العلوم للسكاكي ص ٢٤٢ تقييد الفعل.
(٧) في المخطوطة (بوجه مستمر).