ونوزعا فيه ؛ بأن جعل الخطاب شاملا للأنعام تكلّف لا حاجة إليه ؛ لأن الغرض إظهار القدرة وبيان الألطاف في حق الناس ؛ فالخطاب مختص بهم ، والمعنى : يكثركم أيها الناس في التدبير حيث مكّنكم من التوالد والتناسل ، وهيّأ لكم من مصالحكم ما تحتاجون إليه في ترتيب المعاش وتدبير التوالد ، [والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون] (١) وجعلها أزواجا تبقى ببقائكم ، وعلى هذا يكون التقدير : وجعل لكم من الأنعام أزواجا ؛ وهذا أنسب بنظم الكلام مما قرروه ، وهو جعل الأنعام أنفسها أزواجا.
وقوله : (يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ) (الشورى : ١١) أي في هذا التدبير ؛ كأنه محلّ لذلك ، ولم يقل «به» كما قال : (وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ) (البقرة : ١٧٩) ؛ لأنه مسوق لإظهار الاقتدار مع الوحدانية ، فأسقط السببية ، وأثبت «في» الظرفية ، وهذا وجه من إعجاز قوله تعالى : (وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ) (البقرة : ١٧٩) ؛ لأن الحياة من شأنها الاستناد إليه سبحانه لا إلى غيره ، فاختيرت «في» على «الباء» ؛ لأنه مسوق لبيان الترغيب والمعنى مفهوم ، والقصاص مسوق للتجويز وحسن المشروعية ، (وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى) (البقرة : ٢٣٧).
الرابع
تغليب المتّصف بالشيء على ما لم يتصف به
كقوله تعالى : (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى [عَبْدِنا]) (٢) (البقرة : ٢٣) ، قيل : غلّب [غير] (٢) المرتابين [على المرتابين] (٢) ، واعترض بقوله تعالى : (وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (البقرة : ٢٣) ، وهذا خطاب للكفار فقط قطعا ، فهم المخاطبون أوّلا بذلك ؛ ثم «إن كنتم صادقين» لا يتميز فيها التغليب ، ثم هي شاهدة بأن المتكلّم معهم يخصّ الجاحدين بقوله : (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (البقرة : ٢٣) ، وإذا لم يكن الخطاب إلا فيهم ، فتغليب حال من لم يدخل في الخطاب ، لا عهد به في مخاطبات العرب ، (٣) [ثم أوضح لبعضها هنا لأن جواز أن يتناول المشكوك وغير المرتابين عالمين ، فلا يستحق حالهم «إن» ويحتمل أن يكون للتهيج زيادة في التعجيز] (٣).
__________________
وانظر قول الزمخشري في الكشاف ٣ / ٣٩٩ عند تفسير الآية ١١ ، من سورة الشورى.
(١) ليست في المطبوعة.
(٢) ليست في المخطوطة.
(٣) ليست في المطبوعة.