الخامس تغليب الأكثر على الأقل
بأن ينسب إلى الجميع وصف يختصّ بالأكثر ، كقوله تعالى : (لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا) (الأعراف : ٨٨) ، أدخل شعيب عليهالسلام في قوله : (لَتَعُودُنَ) (الأعراف : ٨٨) بحكم التغليب ؛ إذ لم يكن في ملّتهم أصلا حتى يعود إليها. ومثله قوله : (إِنْ عُدْنا فِي مِلَّتِكُمْ) (١) ، (الأعراف : ٨٩) ، واعترض بأن «عاد» بمعنى «صار» لغة معروفة ، وأنشدوا :
فإن تكن الأيام أحسن مرّة |
|
إليّ فقد عادت لهنّ ذنوب |
ولا حجة فيه ؛ لجواز أن [٢١٩ / أ] يكون ضمير «الأيام» فاعل «عادت» ؛ وإنما الشاهد في قول أمية (٢) :
تلك المكارم لا قعبان من لبن |
|
شيبا بماء فعادا بعد أبوالا |
ويحتمل جوابا ثالثا ؛ وهو أن يكون قولهم لشعيب ذلك ، من تعنتهم وبهتانهم وادّعائهم أنّ شعيبا كان على ملّتهم ، لا كما قال فرعون لموسى. وقوله : ([وَما يَكُونُ لَنا]) (٣) أَنْ نَعُودَ فِيها (الأعراف : ٨٩) كناية عن أتباعه لمجرّد فائدتهم ، وأنه صلىاللهعليهوسلم إن قال ذلك عن نفسه وأتباعه فقد استثنى ، والمعلّق بالمشيئة لا يلزم إمكانه شرعا تقديرا ، والاعتراف بالقدرة والرجوع لعلمه سبحانه ، وأنّ علم العبد عصمة نفسه أدبا مع ربّه لا شكّا.
ويجوز أن يراد بالعود في ملّتهم مجرد المساكنة والاختلاط ، بدليل قوله : (إِذْ نَجَّانَا اللهُ مِنْها) (الأعراف : ٨٩) ونظيره : (وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا) (آل عمران : ٥٥) ، ويكون ذلك إشارة إلى الهجرة عنهم ، وترك الإجابة لهم ، لا جوابا لهم ، وفيه بعد.
__________________
(١) انظر مفتاح العلوم للسكاكي ص ٢٤٢ تقييد الفعل.
(٢) هو أمية ابن أبي الصلت بن أبي ربيعة ، وكان قد قرأ الكتب المتقدمة من كتب الله عزوجل ورغب عن عبادة الأوثان ، وكان يخبر بأن نبيا يبعث قد أظلّ زمانه ويؤمّل أن يكون ذلك النبي ، فلما بلغه خروج رسول الله صلىاللهعليهوسلم كفر حسدا له (ابن قتيبة الشعر والشعراء : ٣٠٠ ـ ٣٠١) وانظر البيت في شرح ديوان أمية بن أبي الصلت ص ٦٦ ضمن قافية الكلام.
(٣) ليست في المخطوطة.