في كلامه ليس ممّن يتلوّن ويتوجّه ، فيكون في المضمر ونحوه ذا لونين ، وأراد بالانتقال إلى الغيبة الإبقاء على المخاطب ؛ من قرعه في الوجه بسهام الهجر ، فالغيبة أروح له ، وأبقى على ماء وجهه أن يفوت ، كقوله : (إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ* فَصَلِّ لِرَبِّكَ [وَانْحَرْ]) (١) (الكوثر : ١ ـ ٢) ، حيث لم يقل «لنا» تحريضا على فعل الصلاة لحقّ الربوبية.
وقوله : (فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ* أَمْراً مِنْ عِنْدِنا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ* رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (الدخان : ٤ ـ ٥ ـ ٦).
وقوله : (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً ...) (الأعراف : ١٥٨) إلى قوله : (فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ) (الأعراف : ١٥٨) ، ولم يقل : [«بي»] (٢).
وله فائدتان : إحداهما دفع التهمة عن نفسه بالعصبيّة لها ، والثاني تنبيههم على استحقاقه الاتباع بما اتّصف به من الصفات المذكورة ، من النبوّة والأميّة ، التي هي [أكبر دليل على] (٢) صدقه ، وأنّه لا يستحق الاتباع لذاته ، بل لهذه الخصائص.
الثالث
من الخطاب إلى التكلم
كقوله : (فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ إِنَّما تَقْضِي هذِهِ الْحَياةَ الدُّنْيا* إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنا) (طه : ٧٢ ـ ٧٣) ؛ وهذا إنما يتمشّى على قول من لم يشترط أن يكون المراد بالالتفات واحدا ؛ فأما من اشترطه فلا (٣) يحسن أن يمثّل به ، ويمكن أن يمثل بقوله تعالى : (قُلِ اللهُ أَسْرَعُ مَكْراً إِنَّ رُسُلَنا يَكْتُبُونَ ما تَمْكُرُونَ) (يونس : ٢١) على أنه سبحانه نزّل نفسه منزلة المخاطب.
الرابع
من الخطاب إلى الغيبة
كقوله تعالى : (حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ) (يونس : ٢٢) ، فقد التفت عن (كُنْتُمْ) (يونس : ٢٢) إلى (جَرَيْنَ بِهِمْ) (يونس : ٢٢) ، وفائدة العدول عن
__________________
(١) ليست في المطبوعة.
(٢) ليست في المخطوطة.
(٣) في المخطوطة (فلم يحسن).