ولم أجد مراعاة الملفوظ به إلا في موضعين : أحدهما قوله تعالى : (يُقالُ لَهُ إِبْراهِيمُ) (الأنبياء : ٦٠) على قول ابن الضائع (١) أنّه ضمن «يقال» معنى «ينادي» و «إبراهيم» نائب عن الفاعل ؛ وأورد على نفسه : [كيف] (٢) عدّي باللام ، والنداء لا يتعدى به؟ وأجاب بأنه روعي الملفوظ به ؛ وهو القول ؛ لأنه يقال : قلت له الثاني : قوله : (وَحَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ مِنْ قَبْلُ) (القصص : ١٢) ؛ فإنه قد يقال : كيف يتعلّق التكليف بالمرضع؟ فأجيب بأنّه ضمن «حرّم» المعنى اللغوي ، وهو المنع. فاعترض كيف عدّي ب «على» والمنع لا يتعدى به ؛ فأجيب بأنه روعي صورة اللفظ.
***
الثاني : أن التضمين يطلق على غير ما سبق ؛ قال القاضي أبو بكر في كتاب «إعجاز القرآن» (٣) : «هو حصول معنى فيه من غير ذكر له باسم [أو صفة] (٤) هي عبارة عنه ، ثم قسمه إلى قسمين : أحدهما ما يفهم من البنية ، كقولك : معلوم ، فإنه يوجب أنه لا بد من عالم.
والثاني من معنى العبارة كالصفة ، فضارب يدل على مضروب. قال : والتضمين كله إيجاز ، قال : وذكر أن (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) (الفاتحة : ١) من باب التضمين ؛ لأنّه تضمن تعليم الاستفتاح في الأمور باسمه على جهة التعظيم لله تعالى ، أو التبرّك باسمه».
***
وذكر ابن الأثير في كتاب «المعاني المبتدعة» (٥) : أنّ التضمين واقع في القرآن خلافا لما أجمع عليه أهل البيان ؛ وجعل منه قوله تعالى في الصافات : (لَوْ أَنَّ عِنْدَنا ذِكْراً مِنَ الْأَوَّلِينَ* لَكُنَّا عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ) (الصافات : ١٦٨ ـ ١٦٩).
***
ويطلق التضمين أيضا على إدراج كلام الغير في أثناء الكلام لتأكيد المعنى ، أو لترتيب النظم ؛ ويسمى الإبداع ، كإبداع الله تعالى في حكايات أقوال المخلوقين ، كقوله [تعالى]
__________________
(١) هو علي بن محمد بن علي بن يوسف تقدم التعريف به في ٢ / ٣٦٤.
(٢) ليست في المخطوطة.
(٣) انظر قوله في كتابه «إعجاز القرآن» ص ٢٧٢ ـ ٢٧٣ فصل في وصف وجوه من البلاغة ، ومنها : التضمين.
(٤) زيادة من كتاب الباقلاني يقتضيها النص لاستقامة سياقه.
(٥) هو نصر الله بن أبي الكرم محمد بن محمد الموصلي تقدم التعريف به وبكتابه في ٣ / ١٨٩.