وفيه طريقة أخرى نقلت عن القاضي أبي بكر وغيره ؛ وهي أنّ هذا خبر حقيقة غير مصروف عن جهة الخبرية ؛ ولكنه خبر عن حكم الله وشرعه ليس خبرا عن الواقع ؛ حتى يلزم ما ذكره من الإشكال ؛ وهو احتمال عدم وقوع مخبره ؛ فإن هذا إنما يلزم الخبر عن الواقع ؛ أما الخبر عن الحكم فلا ؛ لأنه لا يقع خلافه أصلا.
وضع الطلب موضع الخبر
كقوله تعالى : (قُلْ مَنْ كانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا) (مريم : ٧٥).
وقوله : (قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً) (التوبة : ٥٣).
[٢٢٦ / ب] وقوله : (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى) (البقرة : ١٢٥).
وقوله : «(فَلَمَّا جاءَها نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَها وَسُبْحانَ اللهِ رَبِّ الْعالَمِينَ* يا مُوسى إِنَّهُ أَنَا اللهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ* وَأَلْقِ عَصاكَ) (النمل : ٨ ـ ٩ ـ ١٠) فقوله : (وَأَلْقِ) معطوف على قوله. (أَنْ بُورِكَ) ف (أَلْقِ) وإن كان إنشاء لفظا ، لكنه خبر معنى. والمعنى : فلما جاءها قيل بورك من [في] (١) النار ، وقيل : ألق.
والموجب لهذا قول النحاة (٢) [إن] (١) «أن» هذه مفسّرة لا تأتي إلا بعد فعل في معنى القول ، وإذا قيل : كتبت إليه أن ارجع ، وناداني أن قم ، كلّه (٣) بمنزلة : قلت له [ارجع] (٤) ، وقال لي قم» كذا قاله صاحب «المفتاح» (٥).
وما ذكره من أن (بُورِكَ) خبرية لفظا ومعنى ممنوع (٦) ؛ لجواز أن يكون دعاء وهو إنشاء ؛ وقد ذكر هذا التقدير ، الفارسي وأبو البقاء (٧) ، فتكون الجملتان متفقتين في معنى الإنشاء ؛ فتكون مثل (لا تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللهَ) (البقرة : ٨٣).
__________________
(١) ليست في المخطوطة.
(٢) في المخطوطة (النحويين).
(٣) في المخطوطة (مكان بمنزلة).
(٤) ليست في المطبوعة.
(٥) ذكره السكاكي في مفتاح العلوم ص ٢٥٩ عند قوله عن «التوسط».
(٦) تصحفت في المخطوطة إلى (فهو).
(٧) انظر قول أبي البقاء العكبري في كتابه «إملاء ما من به الرحمن» ٢ / ٩٣ (ط ميمنية) عند تفسير الآية من سورة النمل.